قبل 4 سنوات تقريبًا, كانت ريما (اسم مستعار), وهي لبنانية تقطن في فرنسا, في غرفة الولادة, تضع طفلاً ليس طفلها, ولا تربطها به أي صلة بيولوجية, لا بل كانت ريما -التي رفضت التحدث معنا مباشرة, وحصرت أمر إعطاء المعلومات مع طبيبها الذي أدار عملية الولادة- الأم البديلة, أو ما يعرف بقيامها بعملية تأجير الأرحام, حيث حملت جنيناً لعائلة لبنانية, كانت قد تكفلت بتأمين عمل لها في فرنسا, وتأمين سفرةٍ لها إلى هناك. وبعد تسعة أشهر من الحمل, وضعت الطفل, وحصلت في المقابل على فرصة مغادرة لبنان نحو حياة جديدة.

قصة ريما, التي فضّلت عدم الكشف عن تفاصيلها حفاظًا على سرّيتها, ليست سوى واحدة من عشرات الحالات لعائلات لبنانية تلجأ إلى تأجير الأرحام بعد استنفاد كل فرص الحمل, وفقًا لما أكده طبيبها لـ"لبنان24″. ورغم غياب الأرقام الرسمية بسبب مخالفة هذه العملية للقانون في لبنان وعدم قوننتها لأسباب متعددة, إلا أن بعض العائلات اللبنانية وحتى الأجنبية تلجأ إلى لبنان لإتمام هذه العملية, مستفيدة من المغريات المالية الكبيرة. ويشير الطبيب إلى أن المرأة التي تقبل أن تكون أمًا بديلة, وغالبًا ما تكون أجنبية تعمل في لبنان, تطلب مبالغ طائلة مقابل حمل الجنين, إذ لا تقل طلباتها عن 60 ألف دولار, وترتفع بحسب صعوبة إيجاد متطوعة لهذا الدور. ومع ذلك, يتم كل شيء بسرية تامة, حيث تعود المرأة إلى بلدها فور تسلمها المبلغ المتفق عليه, من دون إفشاء أي خبر عن العملية.
وفي حال عدنا فقط بضع سنوات إلى الوراء, فإن أمور الاستقصاء عن عمليات "تأجير الرحم" كانت شبه مستحيلة نظرًا للسرية التي كانت تحيط بهذه العمليات, خاصة على صعيد الأطباء, إذ يؤكّد مصدر قانوني أن عددًا محدودًا جدًا من الأطباء في لبنان لديهم الجرأة على القيام بهذه العملية تحت شروط قاسية, نظرًا إلى أنّها ممنوعة دينيًا, والعدد الأكبر من الأطباء حسب المصدر يفضلون عدم إجراء العملية داخل عياداتهم, خوفا من أي طارئ صحي قد تتعرض إليه الأم البديلة, ولذلك في أغلب الأحيان قد يتوجهون إلى منزل الأم البديلة, أو منزل أصحاب العائلة, حيث تتم هناك عملية الولادة, وهذا ما يخفف حسب المصدر من الاسئلة القانونية المتعلقة بأب الطفل, ومعلومات شخصية أخرى تطلبها المستشفيات فور إتمام أي عملية ولادة وفقا للقوانين المرعية الإجراء.
وللغوص أكثر في هذه الحالة, تواصل "لبنان24" مع رئيس التحقيقات الطبية في نقابة الاطباء سابقا, وطبيب الجراحة النسائية والتوليد د. بول معربس الذي أشار إلى أن النساء اللواتي يعانين من مشاكل في الإنجاب يلجأن إلى امرأة بديلة وتطلب منها حمل ابنها من خلال زرع البويضات والحيوانات المنوية في رحم الأم البديلة.
وأوضح د. معربس أنّ لبنان إلى حدّ الآن لم يشرّع هذا النوع من العمليات, مشيرًا إلى أنّه من الممكن أن تتم داخل مراكز "طفل الإنبوب" إنّما من دون الاستناد إلى أي قاعدة أو تشريع قانوني.
وعلى صعيد موقف نقابة الأطباء, يشير إلى أنه في ظل عدم وجود قانون يشرّع هذه العمليات فإنّ لا موقف للنقابة منها, إلا أنّه يمكن الجزم تماما أنّ هذا الأمر إلى حدّ الآن ممنوع طالما لا قانون يشرع هذه العملية, لافتًا إلى أنّ النقابة لم تتلقَ إلى حدّ الآن أي شكوى في هذا الخصوص, إذ في طبيعة الحال لا يوجد أي متضرر في هذا "الاتفاق", إذ إنّ القبول يصدر من جهة الأم البديلة وذلك بموجب اتفاق مع العائلة, وهذا ما يبرّر عدم وجود شكاوى في هذا الخصوص.
ومن هنا, أوضح د. معربس أنّه لا بدّ من الذهاب نحو تشريع هذه العمليات خاصةُ وأنّ الأمر لا يتوقف عند عملية تأجير الأرحام لا بل يتعداه إلى عدد من العمليات الأخرى أبرزها من له الحق في بيع البويضات ومن لا يحق له ذلك, وهذا الأمر يعدّ ورشة ضخمة جدًا تستدعي مشاركة كافة الجهات المسؤولة من وزارات ولجان صحية وصولا إلى المستشفيات, حيث أنّ هذه التشريعات لا يمكن حلها بين يوم وآخر فهي تحتاج إلى جلسات نقاش معمّقة جدًا, خاصة وأنّه بتنا في زمن تخطينا فيه أمورًا كثيرة.
تجارة واموال
من هنا, يرى المصدر القانوني خلال حديث عبر "لبنان24" أنّ إجارة الأرحام هي تقنية طبية تلجأ إليها النساء غير القادرات على الحمل لأسباب صحية, حيث يتم تخصيب بويضة المرأة بالحيوانات المنوية لزوجها في المختبر, ثم تُزرع البويضة المخصبة في رحم امرأة متطوعة تُعرف باسم "الأم البديلة", التي تحمل الجنين حتى الولادة مقابل مبلغ متفق عليه.
ويكمل المصدر, أنّ هذه التقنية بدأت في عالم الحيوان لزيادة إنتاج السلالات المميزة, ثم انتشرت بين البشر في أوروبا وأميركا خلال ثمانينيات القرن الماضي, حيث ظهرت وكالات متخصصة بتسهيل هذه العمليات. ومع انتشارها في بعض دول الشرق, ظهرت مخاوف من استغلال النساء بسبب انخفاض الأجور مقارنة بالدول الغربية, وعليه, فقد أثارت إجارة الأرحام جدلًا واسعًا, حيث انقسمت الدول والفقهاء بين مؤيدين يرون فيها حلًا للأسر المحرومة من الإنجاب, ومعارضين يعتبرونها مخالفة لمبادئ الشرع والقانون, مما جعلها قضية مثيرة للنقاش على المستويات الطبية, القانونية, والدينية.
ويرى المصدر أنّ الأمور اليوم تخطت المعقول, إذ باتت النساء في الدول العربية تعلن عبر صفحات التواصل الإجتماعي نيتها تقديم هذه الخدمات في مقابل بدل مالي, وهذا ما يفتح الباب بشكل جديّ لمناقشة جريمة "الاتجار بالبشر", إذ ليس من المستبعد أن تكون هناك عصابات متخصصة تدير هذه الأعمال الخطيرة طالما أنّها ليست مقوننة, خاصة وأنّ دول الخارج يتراوح أجر الأم البديلة بين 100 و135 ألف دولار, هذا إذا لم تطلب أكثر.
ويشير المصدر القانوني لـ"لبنان24″ إلى ان القانون اللبناني لم يتطرق إلى موضوع إجارة الأرحام, نظرًا لكونه من المستجدات الحديثة التي لم تُعالج أيضًا في معظم الدول العربية. وفي حين تم تشريع هذه العملية في بعض الدول الغربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة, إلا أن دولًا أخرى منعتها ورفضت اعتمادها كوسيلة للإنجاب".
وختم:" يعاني الإطار القانوني في لبنان من فراغ تشريعي واضح في ما يخص الإنجاب الصناعي, إذ لم يتم تنظيمه وفق أحكام قانون مهنة الطب, رغم وضع قواعد عامة لهذه المسألة. ومع تطور الأساليب الطبية الحديثة, بات الإنجاب الصناعي لا يقتصر على الزوجين فقط, بل يشمل طرفًا ثالثًا كالأم البديلة, مما يطرح تساؤلات قانونية وأخلاقية حول تقنين هذه الممارسة في المستقبل".
من جهة ثانية, وعلى الرغم من عدم قوننة هذه العمليات, فإنّ الجهات الدينية ترفض رفضا قاطعا هذا النوع من الإنجاب, إذ هناك شبه إجماع على تحريمها, وذلك انطلاقا من مبدأ عدم جواز اختلاط الأنساب, بالاضافة إلى احترام الطبيعة البشرية.
المصدر: لبنان24