مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية في لبنان, المقرر إجراؤها خلال الشهرين المقبلين, وتحديدًا في شهر أيار, يواجه المشهد السياسي تحديات وتعقيدات كبيرة نتيجة التحولات الكبرى التي طرأت على الساحتين الداخلية والإقليمية, بالإضافة إلى التغيرات الهائلة في المشهد الدولي بسبب السياسات المتطرفة التي تنتهجها الإدارة الأميركية في ظل رئاسة دونالد ترامب.

كما تلقي الحرب الإسرائيلية المستمرة ضد لبنان وغزة بظلالها الثقيلة على الجميع, ما جعل الترتيبات والتحضيرات لهذا الاستحقاق تتطلب اهتمامًا عاجلًا ومكثفًا من قبل الحكومة والجهات المعنية.
وبعد نجاح لبنان في إنجاز الاستحقاقين الرئاسي والحكومي, بات من الضروري تكثيف الجهود لضمان تنظيم انتخابات بلدية نزيهة وفعالة تعكس تطلعات المواطنين, وتلبي احتياجاتهم في التنمية المحلية وإدارة شؤونهم بما يكفل عودة دورة الحياة الطبيعية.
التحضيرات للانتخابات
حول آخر التطورات المتعلقة بالانتخابات البلدية المقررة في مايو المقبل, أكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب رائد برو لموقع "المنار" أن العمل جارٍ وفق جدول زمني محدد, مشيرًا إلى أن الانتخابات ستجرى في الأول أو الخامس من أيار, وفق التوقيت الأنسب.
وأوضح برو أن أولى الخطوات التي تم تنفيذها كانت تثبيت التفاهم بين القوى السياسية, وتحديدًا مع حركة "أمل", حيث تم الاتفاق على توزيع الأعضاء وتقسيم المناصب بين الرئيس ونائبه, إضافة إلى تحديد آلية الاختيار, سواء من خلال "حزب الله" و"الثنائي الوطني", أو عبر العائلات وفق تفاهم مشترك, وهو ما يشمل المخاتير والبلديات.
الخطوات المنجزة
وأشار برو إلى أن هناك ثلاث خطوات رئيسية تم تنفيذها حتى الآن, الأولى هي تثبيت التفاهم مع الإخوة في حركة أمل, والثانية تشكيل لجان داخل الحزب مسؤولة عن الإعداد والتحضير للانتخابات, والثالثة إنشاء لجان محلية لاستطلاع آراء المواطنين عبر استبيانات محددة.
وشدد برو على أن "الثنائي الوطني" لم يدع إلى تأجيل الانتخابات, بل على العكس, يؤكد ضرورة إجرائها في موعدها المحدد. وأضاف أن أي عراقيل يتم التطرق إليها في الإعلام تتعلق بالجهات الرسمية المختصة التي تعبر عن موقفها في هذا الشأن.
وخلال اجتماع لجنة الدفاع والداخلية والبلديات, استمع النائب برو إلى وزير الداخلية الذي أكد جاهزيته لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد, مشيرًا إلى أنه لم يتم الحديث عن أي عراقيل قد تمنع ذلك. كما أكد أن أي معوقات لوجستية أو تنظيمية ستكون مسؤولية الدولة للتعامل معها.
موقف الثنائي الوطني
أكد النائب برو أن "الثنائي الوطني" يصرّ على إجراء الانتخابات البلدية في القرى الجنوبية التي تعرضت للدمار, بهدف التأكيد على استئناف الحياة والدورة الاقتصادية فيها, وإثبات أن التنمية الاقتصادية والمعيشية مستمرة رغم الظروف الصعبة.
وشدد على أن هناك حرصًا شديدًا على تنظيم الانتخابات حتى في القرى الحدودية التي تعرضت لأضرار جسيمة.
وفي هذا السياق, أوضح برو أن هناك وجهتي نظر حول إجراء الانتخابات في القرى المدمرة, الأولى تدعو إلى إجرائها داخل القرى المتضررة نفسها, رغم التحديات اللوجستية, والثانية ترى أنه من الأفضل نقلها إلى قرى مجاورة لم تتعرض للدمار.
وأشار برو إلى أن الحل الوسط قد يكون بالجمع بين الرأيين, بحيث تُجرى الانتخابات في القرى المجاورة عند تعذر تنظيمها في القرى المتضررة, مع الإصرار على إجرائها في بعض القرى الأساسية والمهمة القريبة من الحدود, وذلك لإرسال رسالة واضحة إلى العدو بأن لبنان قادر على تنظيم استحقاقاته الديمقراطية, بما يعكس عزيمة وصمود المواطنين.
وفي هذا السياق أيضاً, أكد عضو كتلة التنمية والتحرير النائب محمد خواجة, في مقابلة مع المنار, أنه لا يوجد أي مبرر لعدم إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية, مشيرًا إلى أن وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار, أكد أن هناك صعوبات يمكن تجاوزها.
كما لفت إلى أنه تم رصد ألف مليار ليرة في موازنة عام 2024 لتمويل الانتخابات البلدية.
وشدد النائب خواجة على أن كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة مصرتان على إجراء الانتخابات في القرى المهدمة, لما يمثله ذلك من تأكيد على الانتماء الوطني وتحدٍ للعدو الإسرائيلي.
كما أكد على ضرورة الإسراع في تشكيل مجالس بلدية جديدة تواكب عملية الإعمار.
ومن جانبه, أكد وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار, في مقابلة مع مجلة الأمن العام في العدد 138 لشهر آذار, أن الانتخابات ستُجرى خلال أربعة أسابيع, موضحًا أنه من الصعب إجراؤها في أسبوع واحد, وستبدأ من مطلع أيار على أن تنتهي قبل نهاية ولاية المجالس في 30 من أيار.
وأوضح أن الصعوبات المرتبطة بالانتخابات البلدية لا تتعلق فقط بوزارة الداخلية, بل هي مرتبطة ببقية الوزارات, مثل الأمور المالية والاعتمادات, وأعرب عن اعتقاده أن الحكومة لن تتخلف عن إيجاد الحلول.
التقسيم الإداري والناخبون المسجلون
في مقابلة مع الباحث في "الدولية للمعلومات", محمد شمس الدين, أوضح التقسيم الإداري المعتمد حاليًا, حيث يبلغ عدد المدن والبلدات والقرى اللبنانية 1436, فيما يصل عدد البلديات إلى 1064, ما يعني أن هناك نحو 270 إلى 280 بلدة لا تضم بلدية.
وبالنسبة للوضع في الجنوب, أشار شمس الدين إلى أن هناك 22 بلدة وقرية مدمرة بالكامل, مما يستدعي توفير حاويات أو غرف جاهزة لإجراء الانتخابات فيها, بينما هناك 12 بلدة متضررة قد يكون من الممكن تأمين أماكن معينة داخلها لعقد الانتخابات. وبالتالي, تكمن المشكلة في نحو 35 بلدة وقرية جنوبية.
وأشار شمس الدين إلى أن هناك 125 بلدية منحلة لم تجرِ فيها الانتخابات منذ عام 2016, كما أن هناك 35 بلدية تم استحداثها بعد عام 2016, بالإضافة إلى وجود 640 بلدية مشلولة.
أما عن عدد البلديات, قال شمس الدين إنها 1064 بلدية, مما يعني أن هناك نحو 270 إلى 280 بلدة لا تضم بلدية. أما عدد أعضاء المجالس البلدية, فيبلغ 12789 عضوًا.
أما توزيع العدد الأكبر من البلديات, فهو على النحو التالي:
– جبل لبنان: 333 بلدية
– الجنوب: 153 بلدية
– النبطية: 119 بلدية
– الشمال: 153 بلدية
– عكار: 134 بلدية
– البقاع: 87 بلدية
– بعلبك – الهرمل: 84 بلدية
أما فيما يتعلق بعدد الناخبين المسجلين للمشاركة في الانتخابات, فيبلغ نحو (4,070,000) ناخب, في حين أن نسبة المشاركة المتوقعة تتراوح عادةً بين50 و55%, بحسب المنطقة, والبلدة, ومدى الحماسة الانتخابية.
وتجدر الإشارة إلى أن ولاية المجالس البلدية تنتهي في 31 من أيار المقبل, وبالتالي فإن وزير الداخلية معني بشكل مباشر بإجراء هذه الانتخابات كجهة تنفيذية, خصوصاً بعد تأجيلها مرتين.
وكلما اقترب يوم الرابع من أيار, الموعد المتوقع لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية, تزداد مسؤولية الدولة في تأمين الجهوزية الكاملة لإجراء هذا الاستحقاق الدستوري الهام, وهي ملزمة بتوفير الوسائل التقنية والمالية اللازمة لتنظيمها.
المصدر: موقع المنار