شكّلت الحرب الأخيرة على لبنان ضربة لإيران, بسبب نتائجها السلبيّة على "حزب الله" الذي خسر أمينه العام حسن نصرالله, إضافة إلى قيام إسرائيل بتدمير أنفاق عديدة في الجنوب, والسيطرة على أعتدة عسكريّة تعود لـ"الحزب". وأتى إتّفاق وقف إطلاق النار ليمنع "المقاومة" من شنّ هجمات ضدّ المواقع الإسرائيليّة, على الرغم من أنّ الجيش الإسرائيليّ لا يزال يحتلّ 5 تلال لبنانيّة استراتيجيّة ولا يزال يستهدف البلدات الجنوبيّة ويقوم بعمليّات إغتيال في العمق اللبنانيّ.

كذلك, فإنّ سيطرة "هيئة تحرير الشام" على سوريا, قطعت خطوط الإمداد بين إيران و"حزب الله", وبات الأخير مُحاصراً وغير قادر على إدخال السلاح إلى لبنان. أمّا سياسيّاً, فلم يستطع "الثنائيّ الشيعيّ" انتخاب مرشّحه سليمان فرنجيّة, كما أنّه شارك في حكومة لم يُسمّ فيها رئيسها ولا أغلبيّة الوزراء التابعين له, وأصبح مضطرّاً للسير مع رئيسيّ الجمهوريّة ومجلس الوزراء لترجمة خطاب القسم والبيان الوزاريّ, عبر دعم الجيش وحده لحماية سيادة البلاد, والعمل ديبلوماسيّاً من أجل الضغط على العدوّ الإسرائيليّ للإنسحاب الكامل من الأراضي اللبنانيّة في الجنوب.
ولعلّ السياسة الجديدة المتّبعة في لبنان, ساهمت كثيراً في تراجع ليس فقط نفوذ "حزب الله", وإنّما إيران أيضاً, فقد تمّ تعليق الرحلات الجويّة من طهران وإليها, بينما أمست الطائرات المدنيّة الإيرانيّة تخضع لتفتيش دقيق, خوفاً من إدخال الأموال إلى "الحزب", وتهديد العدوّ بأنّه سيستهدف مطار بيروت الدوليّ إنّ استمرّ تدفق المال إلى "المقاومة".
وكانت حركة الإحتجاج والشغب على طريق المطار لا تُعبّر فقط عن الرفض القاطع لإملاءات إسرائيل على الدولة اللبنانيّة, وإنّما على الخطوات التي استهدفت إيران وتحدّ من نفوذها في لبنان. فبعد سوريا, تخشى طهران بشدّة خسارة لبنان إنّ لم تستطع إعادة تنظيم حليفها الشيعيّ في بيروت عبر إيصال السلاح والمال له لينهض من جديد, ويُشكّل تهديداً لامن تل أبيب.
من هنا, أتت إحتجاجات المطار التي قد تُستأنف بعد تشييع نصرالله وهاشم صفي الدين إنّ استمرّ تعليق الرحلات والتضييق على الخطوط الجويّة الإيرانيّة, لتُعبّر عن الغضب الشيعيّ من مُقاطعة إيران, الراعي الرسميّ لـ"محور المقاومة" في الشرق الأوسط. وبحسب أوساط سياسيّة, فإنّ تلك التظاهرات تحمل في طياتها خشية من أنّ ينجر لبنان إلى المحور الغربيّ, وإضعاف "حزب الله" في الداخل غبر الضغط سياسيّاً عليه, كما عبر قطع الأوصال بينه وبين طهران.
ويجد "حزب الله" نفسه بعد الحرب وبعد انتخاب رئيس الجمهوريّة وتشكيل الحكومة الجديدة في موقعٍ ضعيفٍ, وقد تُؤثّر الإنتخابات النيابيّة المُقبلة كثيراً عليه إنّ لم يستطع مع الدولة إعادة بناء القرى الجنوبيّة, وإنّ لم يتبدلّ المشهد في المنطقة لصالحه. فهناك رغبة في تهجير سكان قطاع غزة إلى دول مُجاورة بهدف القضاء على حكم "حماس" في القطاع, وإبعادها عن الحدود الإسرائيليّة, كما أنّ هناك مُخططا لضرب النوويّ الإيرانيّ, الأمر الذي سيُشكّل إنتكاسة كبيرة للنظام في طهران ولكلّ "محور المقاومة".
ويُعوّل "الحزب" كما إيران على أنّ يُشارك أكبر عدد مُمكن من الجمهور في تشييع نصرالله وصفي الدين غدا الأحد , كما مُشاركة شخصيّات بارزة من طهران ومن الدول حيث تتواجد "فصائل المقاومة" مثل العراق واليمن, لإرسال رسالة واضحة إلى الخارج من أنّ "حزب الله" لا يزال شعبيّاً يُحافظ على قوّته, وأنّه لم ينتهِ في الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على لبنان, وأنّه سيظلّ ذراع طهران الأقوى في المنطقة.
لبنان 24