ما بين محبي الشتاء ومبغضيه, حالة عاطفية تصل إلى حد اضطراب يُعرف بـ"كآبة الشتاء", وهو نوع من أنواع الاضطراب العاطفي الموسمي أو الـ SAD (Seasonal affective disorder), أو الكآبة الموسمية, بحيث يمر العديد من الأشخاص بفترات قصيرة يشعرون فيها بالحزن أو بتغيرات غير معتادة في حياتهم. وتبدأ هذه التغيرات المزاجية وتنتهي مع تغيّر الفصول.
في معظم الحالات, تبدأ أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي أواخر الخريف أو أوائل الشتاء (winter blues) وتختفي خلال الربيع والصيف, والمعروفة باسم الاضطراب العاطفي الموسمي الشتوي أو كآبة الشتاء, عندما تصبح الأيام أقصر في الخريف والشتاء ويشعرون بتحسن في الربيع عندما تعود ساعات النهار الأطول.
ما الذي يسبب الاضطراب العاطفي الموسمي؟

تشرح المعالجة النفسية والأستاذة المحاضرة في جامعة الروح القدس الكسليك الدكتورة ساندي الترك في حديث الى "النهار", أنّ هذا الاضطراب هو حالة نفسية بيولوجية تجعل الشخص يفكر في حياته ونظرته إلى نفسه.
لهذا الاضطراب أسباب نفسية وبيولوجية. في الأسباب البيولوجية, تورد الترك أنّ بسبب قصر اليوم وغياب الضوء والشمس تتأثر الساعة البيولوجية للشخص, ما يؤدي إلى اضطراب بالنوم وبساعات الاستيقاظ, ويجعل الشخص يشعر بالتعب طوال الوقت ويفقد التركيز. وبسبب قصر اليوم وغياب الضوء والشمس أيضاً, تنخفض مستويات مادة السيروتونين الكيميائية في الدماغ, والتي تساعد في تنظيم الحالة المزاجية والسعادة. فضوء الشمس يؤثر على مستويات الجزيئات التي تساعد في الحفاظ على مستويات السيروتونين الطبيعية. وقد تمنع ساعات النهار الأقصر هذه الجزيئات من العمل بشكل صحيح, ما يساهم في انخفاض مستويات السيروتونين في الشتاء.
ويؤدي أيضاً نقص فيتامين د إلى تفاقم هذه المشاكل لدى الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب العاطفي الموسمي الشتوي, لأنّ هذا الفيتامين يعزز نشاط السيروتونين. بالإضافة إلى فيتامين د الذي يتم تناوله في الطعام, ينتج الجسم فيتامين د عند تعرضه لأشعة الشمس على الجلد. ومع قلة ضوء النهار في الشتاء, قد تكون لدى الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب العاطفي الموسمي مستويات أقل من فيتامين د, مما يقلل من نشاط السيروتونين, فيتراجع المزاج الجيد.
وكلا النوعين من الاضطراب العاطفي الموسمي (الشتوي والصيفي) يرتبطان بمستويات متغيرة من الميلاتونين, الهرمون المهم للحفاظ على دورة النوم والاستيقاظ. فالأشخاص الذين يعانون من الاضطراب العاطفي الموسمي في الشتاء, ينتجون كميات زائدة من الميلاتونين, وهو ما قد يزيد من النعاس ويؤدي إلى النوم الزائد.
وفيما يساعد كل من السيروتونين والميلاتونين في الحفاظ على إيقاع الجسم اليومي المرتبط بدورة الليل والنهار الموسمية, يؤدي اختلالها إلى تعطيل الإيقاعات اليومية الطبيعية, ما يؤدي إلى تغيرات في النوم والمزاج والسلوك, والشعور بالرغبة في النوم دائماً ما يُشعر الشخص بالعزلة الاجتماعية عن الناس.
أمّا عن السبب النفسي لهذا الاكتآب, فتقول الترك أنّ عدم حب بعض الناس لفصل الشتاء والاكتئاب فيه, قد يعود إلى بعض الذكريات والممارسات المرتبطة بهذا الفصل, مثل الوحدة والعتمة وذكريات المدرسة. وإذا كان الشخص اجتماعياً بطبعه ويحب الخروج دائماً, فيشعر أنّ فصل الشتاء يقيّده بسبب ظروف الطقس. وهناك أيضاً القدرة على التأقلم مع الفصول, فهناك أشخاص لا يتحلّون بهذه المرونة, وقد يضعون التوقعات حول تحديات هذا الفصل وطقسه الصعب ويتصرّفون على أساسها, ودماغهم يبدأ بالتوتر من فكرة التبلل بالمياه وزحمة السير والبرد القارس وغيرها.
ما هي أعراض "كآبة الشتاء"؟
إلى جانب أعراض الكآبة العامة مثل الحزن, القلق, اليأس والتشاؤم, الإحباط والأرق, فقدان الاهتمام والرغبة في الحياة أو المتعة بالأنشطة, الشعور بالخمول وفقدان التحفيز, نجد أعراضاً ظاهرة أكثر مع كآبة الشتاء, مثل النوم المفرط, الإفراط في تناول الطعام وبخاصة مع الرغبة الشديدة في تناول الكربوهيدرات, والعزلة الاجتماعية.
كيف تتغلّب على كآبة الشتاء؟
- خذ استراحة من الشاشة وخصوصاً الأخبار.
- عزز مزاجك بالطعام عبر تناول البروتين في الوجبات لمنع الرغبة الشديدة في تناول السكر والكربوهيدرات. كما يساعدك تناول الأطعمة الغنية بفيتامين د مثل الأسماك الدهنية على موازنة حالتك المزاجية.
- افحص معدّل الفيتامين د لديك وعزّزه إذا كان ناقصاً.
- مارس هواياتك المفضلة رغم الطقس البارد.
- حافظ على روتين نومك فهو عنصر مهم في حالتك المزاجية, إذ أي اختلال لإيقاعك اليومي يعطل أيضاً إيقاعات الكورتيزول ويؤثر على إنتاج الهرمونات.
- عرّض نفسك للضوء وإن بغياب الشمس.
- مارس الأنشطة البدنية لتعزيز حالتك المزاجية والتقليل من أعراض الاكتئاب والتوتر.
- اخرج يومياً, حتى لبضع دقائق.
- جرب خطة 10×10×10 بتقسيم الوقت إلى 3 أجزاء, مثلاً, إذا كان لممارسة المشي لمدة 30 دقيقة يومياً, قسّم الوقت إلى ثلاث تمارين صغيرة مدة كل منها 10 دقائق.
- تعرّض للشمس لموازنة نشاط السيروتونين, وزيادة إنتاج الميلاتونين, وموازنة إيقاعك اليومي, وزيادة مستويات فيتامين د, ما يؤدي إلى تحسن حالتك العاطفية.