كثر الحديث خلال وبعد تشكيل حكومة الرئيس نواف سلام, عن مَن يمثّل السنة في لبنان؟ النواب الذين انتخبوا على تنوّعهم واختلاف مشاربهم وخلفياتهم السياسية؟ أو رئيس الحكومة بشخصه وما يحيط بها من قوة دفع أجنبية وعربية؟
وانطلاقاً من هذا السؤال, هدّد نائب بـ "الفدرلة", وآخر بحجب الثقة عن الحكومة, وتصدى ثالث لمسألة عدم تمثيل الكتل النيابية السنية بالقول: "الرئيس سلام لا يختصر وحده السنة, نحن أيضاً لنا حضورنا وناسنا وشرعيتنا".
وكل هؤلاء ينطلقون من وجهات نظر صائبة إلى حد كبير.
الرئيس سلام الذي يأتي من خارج التقليد السياسي الداخلي ومعاييره, من المنطقي جداً أن يأتي بوزراء يتناغمون معه بتفكيره ونظرته للأمور وطرق معالجاتها, وهو لم يجد في كل الأسماء التي طرحها عليه النواب السنة, من تتوفر فيه هذه المواصفات, وهذا حقّه وهو يتحمّل المسؤوليات.
والنواب على تعدّد خلفياتهم في المطالبة بالتوزير, يمتلكون شرعية المناداة بحقيبة في الحكومة, ولهم الحقّ في معارضة الحكومة التي لا يتمثّلون بها ولا تمثّلهم, وهذا من بديهيات العمل السياسي والبرلماني.
الإشكالية أننا أمام ذهنيتين مختلفتين في الوزارة والادارة والعمل السياسي العام, ذهنية ترى أن لبنان أمام فرصة تاريخية لإعادة وضعه على السكة الدولية والعربية, وتمتين أواصر الدولة وتقوية المؤسسات وتعزيزها وإعادة الإعتبار لها.
وهي عقلية "كتابية", امتهنت مسك "دستور الطائف" بيمينها, تقيس كل مبادرة وحركة وتصريح بميزان بنوده, وتمضي جلّ وقتها في البحث عن حلول تنقذ لبنان الدولة من الذوبان, وتصلح ما أفسده الدهر, وتعمل في جو دقيق داخلياً, وتتعاطى بطريقة غير تقليدية تقتضيها الظروف التي نعيشها.
وذهنية أخرى, تتقدمها الشعبوية في التفكير والأداء, وهي لا ترى في الدولة إلا مصدراً لثروتها وقوتها ومالها وتمويلها, لسدّ حاجات ناسها, الذين تكثر من توظيفهم في حركتها السياسية.
والدولة بالنسبة إليها تشكل الجهة التي يجب أن تعطي لا تأخذ, "الدولة المانحة", كأنّها جمعية خيرية لا تبغي الربح, وهي نظرة رجل السياسة الذي لم يتدرّب على كيفية الإرتقاء في سلّم الأدبيات السياسية إلى "رجل الدولة".
ويُذكر إن رئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق رينيه كوتي كان على طاولة العشاء مع احد وزرائه, فبادره الأخير بأن زعيماً بارزاً من المعارضة ينتقدك بشدّة ويهاجم طريقة إدارتك للبلاد, فردّ كوتي مبتسماً: "ليس سوى رجل من رجال السياسة الذين ينتظرون من بلادهم أن تفعل شيئاً من أجلهم, أما رجل الدولة فهو الذي يفعل كل شيء من أجل بلاده".
فنحن أمام ذهنيتين مختلفتين, التقاؤهما صعب لكنه ليس مستحيلاً, ولا سبيل للخروج منها إلا بإعمال العقل وقدح الفكر لنصون الدولة التي تصوننا, بعد أن أنهينا مسألة الولاء لها بتأكيدنا أن "لبنان أولاً"...فهل نحن فاعلون؟