تقف الحكومة العتيدة أمام تحدٍّ كبير, إزاء ما يتردد عن كونها حكومة إصلاحية ستتعامل ع قضايا الناس بشكل أساسي في الاقتصاد والمجتمع, إذ يبدو أن تضخّم الأسعار يواصل المسار من دون توقّف, وإن تباطأت معدلاته.
![](https://www.alraiionline.com/banner-img/2025-1-03-14-07-2111.jpg)
فبنهاية السنة الماضية, يكون التضخّم قد سجّل منذ مطلع عام 2019 زيادة في الأسعار بنحو 64 مرّة عما كانت عليه في نهاية 2018, أي زادت بنسبة 6450%.
وفي عام 2024 وحده, ارتفعت الأسعار بنسبة 18.1% رغم استقرار سعر الصرف الذي كان المسؤول الأساسي عن مسار التضخّم المفرط الذي سيطر على لبنان في السنوات الخمس الأخيرة.
يرتّب هذا الارتفاع المتواصل أعباء كبيرة على المجتمع والاقتصاد.
فأكلاف الإنتاج تزداد بشكل متواصل, وتجعل كلفة التصدير أعلى مما كانت عليه وبالتالي تدفع تنافسية السلع المنتجة محلياً إلى الانخفاض أكثر فأكثر.
يواصل الاقتصاد العمل وفقاً لآلياته التقليدية القائمة على الاستيراد لتأمين الحاجات المحلية بنسبة تفوق 80%
كما إن الزيادات المتواضعة والترقيعية التي أقرّت على الأجور لم تكن كافية لتغطية أكثر من نصف هذا التضخّم في الأسعار بشكل عام.
وفي ظل هذا الوضع, يواصل الاقتصاد العمل وفقاً لآلياته التقليدية القائمة على الاستيراد لتأمين الحاجات المحلية بنسبة تفوق 80%, ما يعني أن مصادر التضخّم التي كانت في غالبيتها محلية إبّان الانهيار حين أفلست المصارف وانهار سعر الليرة مقابل الدولار حتى تحوّل سعر الصرف من عامل أمان أيام التثبيت النقدي, إلى محفّز لتضخّم الأسعار في دوامة لا متناهية بينهما وفوقها جاءت موجة من التضخّم الخارجي إثر جائحة كورونا… هذه الأسباب لم تعد هي نفسها قائمة اليوم بعدما مضى على استقرار سعر الصرف أكثر من سنة ونصف سنة, وبالتالي عاد الاقتصاد يتأثّر بالأسباب المرتبطة ببنيته العميقة المتعلقة بالاستيراد المموّل بواسطة التدفقات المالية الآتية من الخارج.
في عام 2024, يسجّل أن الأسعار تدولرت بشكل شبه كامل ما عدا بعض الأجور التي ما تزال تدفع بالليرة, إنما هذا الأمر يعني في ظل استقرار سعر الصرف, أن ارتفاع الأسعار المقوّمة بالدولار النقدي وليس بالليرة اللبنانية فقط.
كان هذا الأمر طبيعياً مع موجة التضخّم التي اجتاحت العالم في بدايات سنة 2022, إلا أن مفاعيل هذه الموجة انتهت الآن, فلا يمكن القول إن استمرار الأسعار بالارتفاع هو تضخّم مُستورد من الخارج.
بهذا الشكل انتقل التضخّم من كونه مشكلة نقدية (تتعلق بانهيار سعر الصرف) إلى كونه مشكلة اقتصادية حقيقية. فالأسعار ترتفع في السوق بشكل مستمرّ من دون تفسير واضح لذلك.
قد يكون هذا الأمر عبارة عن تصحيح في السوق من قبل أصحاب المصالح الذين يحاولون إعادة أرباحهم إلى مستويات ما قبل الأزمة أو حتى لرفعها أكثر مما كانت قبل الأزمة, لكن الحقيقة أنها مشكلة اقتصادية ستكون أحد التحديات الكبيرة أمام الحكومة اللبنانية التي ستحتاج إلى استخدام السياسات المالية والنقدية (بالتعاون مع مصرف لبنان) لحلّها بشكل جذري, علماً بأن التعاون الحالي بينهما مقتصر فقط على استقرار سعر الصرف.
من المثير للاهتمام أن الأسعار أخذت منحى أكثر تصاعدياً منذ بداية الحرب.
ففي المدة الممتدة بين نهاية آب ونهاية كانون الأول, ارتفع معدّل الأسعار الاستهلاكية بنسبة 7%, وهي نسبة مرتفعة خلال أربعة أشهر فقط.
إذ تبيّن أرقام الإحصاء المركزي الأخيرة أن نسبة التضخّم في السلع الغذائية بلغت في هذه المدة, 12%, في حين بلغ التضخّم في أسعار الألبسة والأحذية نحو 11%.
والمفاجئ هو ارتفاع أسعار التعليم في شهر كانون الأوّل فقط بنحو 30%.
المصدر : الأخبار