رأى مصدر ديبلوماسي في العاصمة الفرنسية أن على واشنطن وباريس أن تدعما بكل قواهما الالتزامات المعلنة للإصلاح ونزع السلاح والانتعاش الاقتصادي, والتي يجسدها رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة المكلف نواف سلام. وقد مثل خطاب الرئيسين عون وسلام تحولا قياسا بالممارسات السابقة. ولا تزال التحديات التي تواجه لبنان كبيرة, وسيكون الاختبار الحقيقي لعون وسلام تحويل وعودهما إلى إصلاحات عملية ودائمة.
على الأرجح, فإن عون لم يكن ليصل إلى الرئاسة لولا الهزائم العسكرية التي ألحقتها إسرائيل بـ"حزب الله", فقلّصت نفوذه داخليا ومنعته من الاستمرار في احتكار اختيار الرئيس أو في استمرار الفراغ الرئاسي. ويعتبر انتخاب عون تطورا إيجابيا نظرا إلى الدعم الشعبي وانفتاحه على الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية. ويجدر التذكير في هذا السياق بأن صلاحيات رئيس الجمهورية في لبنان محدودة, لأنه لم يعد رئيسا للسلطة التنفيذية, وتحول دوره منذ اتفاق الطائف إلى حَكَم ومحرك للسياسة الداخلية والخارجية للبلاد, إضافة إلى كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وسيكون التحدي الأبرز أمام عون احتكار الدولة حيازة السلاح والمحافظة على السيادة. منذ انتخابه رئيسا, أصبح الرئيس جوزف عون أكثر وضوحا وتقدما في هذا الشأن. فأعلن في قسمه الدستوري أنه سيؤدي واجباته قائدا أعلى للقوات المسلحة من خلال "العمل على ضمان حق الدولة في احتكار السلاح", وهو التزام فعلي لتنفيذ قراري مجلس الأمن ١٧٠١ و١٥٥٩. كذلك تعهد بتأمين حدود لبنان, بما يتماشى مع اتفاق وقف النار الذي توسطت فيه واشنطن وباريس بين "حزب الله" وإسرائيل.
وكان تكليف نواف سلام تأليف الحكومة تطورا بارزا, إذ شغل سابقا منصب ممثل لبنان لدى الأمم المتحدة (٢٠٠٧ - ٢٠١٧) وخلال تلك الفترة نفذ سياسة الحكومات المتعاقبة التي كانت مدعومة من فريق الممانعة . وعلى الرغم من خدمته المخلصة لحكومات لبنان السابقة التي كان يهيمن عليها "حزب الله", فإن سلام ناقد هادئ للحزب ومدافع عن الإصلاح ومحارب ضد الفساد, وهو في هذا السياق مناسب لتنفيذ أجندة جديدة ترتكز على الإصلاح الاقتصادي ونزع السلاح غير الشرعي.
الأحداث البارزة التي شهدتها الأشهر الأخيرة أضعفت معسكر الممانعة في بيروت, وأتاحت فرصة لنزع السلاح غير الشرعي, واجتثاث الفساد, وإعادة بناء دولة فعالة. وقد يكون الفريق الجديد قادرًا على تنفيذ هذه الرؤية الطموحة, ولكن لا يمكن تجاهل العقبات الكبيرة التي يواجهها, بما في ذلك التهديد المتراجع ولكن المستمر من "حزب الله" والمصالح الراسخة التي لا تزال تسيطر على النظام السياسي والاقتصادي في لبنان, وتهديد إسرائيل بعدم الانسحاب من الأراضي اللبنانية في التاريخ الذي حدده اتفاق وقف النار في ٢٧ من الشهر الحالي, وذيول عدم الانسحاب على الوضع الأمني والسياسي.
فهل يمكن الترويج لسياسات نزع السلاح والإصلاح الاقتصادي, وهي سياسات تهدد مباشرة مصالح هذا الثنائي؟ وهل يمكن اجتياز عملية تأليف حكومة فاعلة تتمتع باستقلالية كافية؟
سيواجه عون وسلام تحديات كبيرة في الأشهر المقبلة. ولكن بالنظر إلى وضع البلاد قبل عام, هناك ما يبرر بعض التفاؤل.
مع تراجع نفوذ "حزب الله" وتبلور فريق جديد يركز على الإصلاح, أصبحت بيروت في وضع أفضل للاستفادة من الدعم المتزايد من المجتمع الدولي والحصول على المساعدة اللازمة لإعادة بناء مؤسسات الدولة.
ويمكن واشنطن وباريس اتخاذ خطوات ملموسة لتشجيع روح الإصلاح لدى القيادة الجديدة. وينبغي لهما أولا تقديم مساعدة إضافية للجيش اللبناني لمساعدته في تنفيذ القرار ١٧٠١ في جنوب لبنان, على أن تُقدم هذه الأموال على دفعات مشروطة بالأداء. وقد تزداد هذه المساعدات لاحقا إذا بدأت بيروت تنفيذ القرار ١٥٥٩ الذي يدعو إلى حصرية سلاح الدولة على مجمل الأراضي اللبنانية. وفي الوقت نفسه, المطلوب من واشنطن وباريس الاستمرار في مسار حزمة الإنقاذ الاقتصادي المحتملة, مع الاستمرار في ربط حزمة مساعدات صندوق النقد الدولي بنجاح بيروت في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
وأخيرا, لمساعدة عون وسلام في التغلب على المقاومة السياسية, يجب أن تكون إدارة ترامب مستعدة أيضا لفرض عقوبات بسرعة على الجهات اللبنانية التي تعرقل عملية الإصلاح.
واللحظة الحالية تتطلب من واشنطن والدول الداعمة أن تسعى إلى عملية "دعم وتحقق" تدريجية, لمساعدة عون وسلام في تنفيذ أجندتهما الطموحة للتغيير.