تحولت منطقة القرى الحدودية اللبنانية والسورية في قضاء الهرمل, ساحة مناوشات مسلحة, حيث يسيطر المهربون واللصوص على مجريات الأحداث, في خضم تصاعد التوترات المذهبية نتيجة انهيار نظام الأسد في سوريا. إذ تركت التحولات السياسية في سوريا آثاراً سلبية على هذه المنطقة, وخصوصاً في قرى حوض العاصي الـ33, إذ تفاقم الصراع على منافذ التهريب بين المهربين اللبنانيين والسوريين بشكل ملحوظ.
نشب نزاع مسلح عنيف ليل الاثنين - الثلاثاء, نتيجة محاولة مسلحين من عرب أبو جبل وعرب الهيت والمكالدة السوريين من قرى حوض العاصي سرقة ماشية تعود الى آل الهق والحاج حسن وخير الدين اللبنانيين, وفقاً لما أبلغ مصدر أمني "النهار".
هذا الخلاف الذي نشأ لأسباب محتلفة مادية ومرتبطة بالتهريب, أدى إلى اشتباك مسلح استمر أكثر من ست ساعات. وقد استنفرت في خلاله العشائر والأجهزة الأمنية في الجانب اللبناني, إضافة إلى عمليات ردع العدوان أو إدارة سوريا الجديدة في الجانب السوري, لحل النزاع ومنع تفاقمه.
وصدر عن العشائر وأهالي بعلبك - الهرمل بيان رداً على ما تسمى "غرفة عمليات عشائر البقاع", يؤكدون فيه أنهم "غير معنيين" بالاشتباكات التي تدور في بعض القرى الحدودية مع سوريا, مشيرين إلى أن هذه النزاعات "تتعلق بأفراد ومجموعات حزبية غير طائفية لها مصالح تجارية خاصة". وأكدوا "أن مسؤولية حماية الحدود تقع على عاتق المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية, وأن أي تواصل يتعلق بالشؤون السورية يجب أن يتم عبر الأجهزة المختصة في البلدين".
كذلك شدد البيان على أن "الدولة اللبنانية هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن حفظ الأمن, وأن لا مكان لأي غرفة عمليات خارج نطاق الأجهزة الأمنية الرسمية, والتأكيد على أهمية عدم الانجرار وراء الشائعات, والتركيز على منطق الدولة لضمان حياة كريمة وآمنة للمواطنين كافة".
ويعبر سكان القرى اللبنانيّة الحدودية لـ"النهار" عن قلقهم العميق مما يحدث وعن خوفهم من الأيام المقبلة, في ظل تساؤلات عما إذا كانوا سيظلون أسرى تلك العصابات من الجانبين, لافتين الى "أن عدداً من السوريين الذين كانوا معارضين لنظام الأسد واللاجئين منذ أكثر من 13 عاماً, والذين احتضنتهم هذه القرى, باتوا اليوم يحملون السلاح داخل قرى حوض العاصي, ليصبحوا قطاع طرق يتحدون اللبنانيين والسوريين على حد سواء".
ويطالب الأهالي "هيئة تحرير الشام" بالعمل على "ضبط الأوضاع لضمان العيش المشترك بسلام بين الدولتين", متهمين أفراداً من عرب بيت أبوجبل بالوقوف خلف هذه الأحداث, "وهم الذين يحمل نصف عددهم الجنسية اللبنانية, والذين كانوا يتمتعون بنفوذ كبير في زمن النظام السوري, حيث شاركوا في تهريب السلع والأسلحة مع فرقة الهجانة, وأعطتهم السلاح والآن يستغلون غياب الدولة لتحقيق مصالحهم".
علماً أن معظم المهربين اللبنانيين الحاليين الذين ينتمون إلى هذه القرى الحدودية الشيعية, توقفوا عن الدخول إلى الأراضي السوريّة بسبب تصفيات شخصية من العصابات المسلحة, بعد أن استدرج العديد منهم إلى الداخل السوري بذريعة بيعهم بضائع ولاسيما منها الأسلحة, ليتم تصفيتهم, ما غرس الخوف في قلوب من تبقى منهم, لذلك يستغل البعض من عرب أبو جبل وعرب الهيت والمكالدة الأمر ويتهجّمون على القرى اللبنانية.
ويؤكد قيادي في عمليات ردع العدوان أو إدارة سوريا الجديدة في تصريح خاص لـ"النهار" أن الأحداث التي شهدتها المنطقة "ليست ناتجة من صراع مذهبي بين السنّة والشيعة, بل تعود أسبابها إلى سرقات وأنشطة إجرامية تمارسها عصابات مسلحة تتسلل عبر الحدود إلى الداخل اللبناني تحت غطاء هيئة تحرير الشام, وهو ما أكده الجانب اللبناني بوضوح", مؤكداً أن "هؤلاء ليسوا من هيئة تحرير الشام, فمناطقنا معروفة ووجودنا واضح".
وأوضح أنه "جرى التواصل مع الجيش اللبناني من أجل استعادة الاستقرار في المنطقة الحدودية", مشدداً على "أن المرحلة الراهنة تتطلب بناء الدولة, وأن حمل السلاح لم يعد له علاقة بالثوار أو بحق الانتقام. كما اتخذت إجراءات حاسمة ضد المتورطين في السرقات", مؤكداً "أهمية التعاون مع الجيش اللبناني لضبط الحدود رغم التحديات التي تواجههم".
وأشار الى "أن دخول القوات إلى القصير جرى بناءً على توجيهات خاصة من غرفة عمليات ردع العدوان, إذ جرى التركيز على حماية المدن الكبرى أولاً, مع تأجيل التعامل مع القصير نظراً الى حيثيتها, فالتهريب وتجارة المخدرات كانا جزءًاً لا يتجزأ من تاريخ المنطقة, وقد أتيحت الفرصة للأشخاص الذين انغمسوا في أنشطة غير قانونية لمغادرة المنطقة, إلا أن البعض حاول توجيه الأمور نحو منحى مذهبي".
وشدد على "أن الهيئة قامت بالتعامل مع الطوائف المختلفة في المنطقة, وقدمت إليهم تطمينات من مقتضى بند الأمان الذي قدمه الأستاذ أحمد الشرع شرط احترامهم للقانون". كذلك لفت إلى "أن القضاء هو السبيل الأوحد لمعالجة القضايا القانونية, وأن الأفراد الذين ارتكبوا أعمالاً غير قانونية يتوجب عليهم مغادرة المنطقة أو مواجهة التحقيقات".
وعن المنازل في هذه القرى التي تعرضت للحرق, قال: "إن هذه المنازل المصادرة هي في الحقيقة حق من حقوق الشعب السوري, وخصوصاً في منطقة القصير, حيث دُمر منها نحو 70%. كان الأجدر أن يأتي الناس وأهالي القصير ليشغلوا هذه المنازل التي تركها أصحابها من أصحاب السوابق وفروا إلى الداخل اللبناني. نحن نرفض بشدة عملية الحرق والتخريب, لأن هذه البيوت تمثل مصلحة عامة, ويجب أن نؤكد أن الوضع كان شخصياً بحتاً. من الواجب أن تُمنح هذه البيوت للأهالي ممن ليست لديهم منازل ليستقروا فيها بدلاً من أن تبقى مهجورة. وقد عملت الهيئة على توثيق حالة المنازل, وحفظ الصور أمانة لضمان إعادة الحقوق الى أصحابها عند عودتهم, إذ من العدل أن يعود كل من ليس عليه أي أمر قانوني إلى منزله واستعادة ممتلكاته".
أضاف: "أي فرد قام بالتخريب أو العبث أو تصرف بطرق غير قانونية, حتى وإن كان الآن يعيش بحرية وراحة, فإن اسمه مسجل لدى الهيئة ومعروف لديها بشكل جيد. لم نصل بعد إلى اتخاذ إجراءات في حقهم, لكن هناك محكمة ستتولى مسألة محاسبتهم وتغريمهم. تلك المحكمة لن تنسى أفعالهم, ولن تتركهم من دون عقاب, ولاسيما منهم أولئك الذين يدعون الانتماء إلى هيئة تحرير الشام ويقومون بأفعال باسمها والذين يجري توقيفهم بعد كشفهم. فهناك خروق هائلة ونسعى بقدر الإمكان إلى ضبطها ومعالجتها".
وعن عدم تشغيل معبر القاع الحدودي الشرعي, أكد القيادي السوري "أن القاع يشكل معبراً مهماً, إلا أن المعابر الشرعية وغير الشرعية تظل قائمة, ما يستدعي ضرورة تنظيمها. وكان من الحكمة أن نعمل على إغلاق بعضها وفتح معبر شرعي يمكننا من معالجة الأمور بفاعلية, لنحقق الاستقرار المنشود. لقد تحررت سوريا في غضون 14 يوماً, ولم يكن متوقعاً هذا السقوط السريع, ومع ذلك نسعى إلى تعزيز القوات وملء القيادة بالأشخاص المناسبين".
لينا اسماعيل- النهار