كتب المحامي زياد رامز الخازن
ليلة الغطاس, أو كما يحلو للبعض تسميتها ليلة القدر, تطلّ على لبنان كما تطلّ الأنوار الخافتة في نهاية نفق طويل. هي دعوة لصلاة مختلفة, صلاة وطن بأكمله. وطنٌ أنهكته الأزمات, ولم تعد تكفيه أمّ واحدة تصلي له ولا حتى مئات الأمهات اللواتي أثقلت قلوبهن الهموم. لبنان, هذا الوطن الذي اعتاد الصمود بفضل تضرعات المؤمنين, يبدو اليوم كما لو أن بركته قد تبعثرت بين أيدي مسؤولين لم يحملوا في قلوبهم خميرة الإصلاح ولا في أيديهم شفاعة الإنقاذ.
لبنان الذي قاوم العواصف لقرون ووقف على قدميه رغم نزاعات لا تنتهي, بات اليوم يخلط الطحين بالماء والذلّ لإطعام شعبه. وطنٌ ينتظر أعجوبة, أعجوبة كتلك التي جعلت مياه الأردن رمزاً للخلاص في معمودية المسيح. لكن ما يحتاجه لبنان اليوم ليس معمودية مياه, بل معمودية ضمائر غارقة في الجفاء والأنانية.
في التاسع من كانون الثاني, يقف لبنان على عتبة إستحقاق مصيري. فراغ سياسي متراكم ينتظر رئيساً ينتشل البلاد من الغرق. مركب الوطن يتقاذفه الموج بلا بوصلة ولا ربان. وكأن المسؤولين نسوا أن لبنان ليس مزرعة يُقتسم محصولها بل أرض مقدسة, إعتادت أن تفيض بركة, لكنها اليوم عطشى لمسحة تداوي جراحها.
ليلة الغطاس, التي تذكرنا بمعمودية المسيح في مياه الأردن, تأتي كنداء لضمائر اللبنانيين. هي دعوة إلى وقفة مع النفس, إلى تطهير الأرواح من أدران الجفاء واللامبالاة. لكن لبنان غارق في مياه أخرى, مياه الفوضى والفساد, ينتظر يدًا تنتشله, أو ربما أعجوبة جديدة تعيد التوازن إلى ميزان عدالته المفقود. فهل يكون الخميس المقبل يوماً يصنع فارقاً؟ أم أنه محطة أخرى تُضاف إلى قطار الفراغ والانتظار الطويل؟
في هذا اليوم المبارك, يبارك المؤمنون بيوتهم بالماء المقدس, لكن لبنان يحتاج إلى أكثر من بركة رمزية. هو بحاجة إلى قلوب تتجدد, إلى لحظة يُولد فيها من رحم المعاناة أمل حقيقي. ليلة الغطاس تُذكّرنا أن الأعاجيب لا تأتي وحدها, بل تحتاج إلى إيمان عميق وعقول منفتحة وضمائر تخرج من سباتها الطويل.
ليلة الغطاس, أو ليلة القدر, أو أي اسم يُطلق عليها, المهم أن نفهم معناها. ليلة تعكس ما ينتظره لبنان, خلاص ينقذ شعباً يتخبط بين الفقر والذلّ, ويعيد لهذه الأرض شيئاً من كرامتها المهدورة.