مع سيطرة المعارضة على سوريا والانهيار السريع لليرة السورية, بدأت الشائعات تتحدث عن قرب انهيار الليرة اللبنانية من دون الاستناد إلى الأسباب العميقة لارتباط مصير الليرتين ببعضهما البعض, فما حقيقة تداعيات الثورة السورية على الوضع النقدي اللبناني؟
يؤكد الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي, في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت", أن "لا صحة للمعلومات التي تتحدث عن قرب انهيار الليرة اللبنانية بسبب انهيار الليرة السورية", مفندًا الأسباب:
-لا يوجد ارتباط عملي أو تقني بين الليرتين, خاصة مع سياسة مصرف لبنان التي تعتمد على إدارة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية والدولار الأميركي بالتعاون مع وزارة المالية. كما أن تحويلات خارجية كبيرة تدخل إلى لبنان تقدر بأكثر من 7 مليار دولار عبر شركات تحويل الأموال والمصارف التجارية, بالإضافة إلى ما يدخل في المواسم السياحية المختلفة أو عبر اليد, أكثر من 4 مليار دولار سنويًا, وبالتالي, لا توجد مشكلة نقدية بهذا الخصوص.
-المصرف المركزي اليوم يحافظ على الكتلة النقدية التي استطاع الحفاظ على ثباتها وثبات الليرة رغم كل الظروف التي مرّ بها لبنان منذ أكثر من شهرين, وخاصة عند اندلاع الحرب على لبنان. مما يشير إلى أن هناك قدرة عالية لمصرف لبنان على السيطرة على الوضع النقدي بدون المساس بها.
ويلفت, إلى أن "المصرف المركزي استطاع الإمساك بزمام الأمور, بل أصبحت اليوم فرصه أكبر للحفاظ على الاستقرار النقدي بعد انتهاء الحرب. ويبدو أنه عاد من جديد لزيادة احتياطاته والمبالغ التي صرفتها الدولة من الحساب 36 أثناء الحرب. فلا توجد مشكلة أمام الليرة, والمصرف يتجه لاستكمال سياسته السابقة وتثبيت نجاحها في الإبقاء على سعر الصرف والاستقرار النقدي رغم كل الهزات الأمنية والحرب".
إذًا, المصرف وفق دكتور جباعي يعتمد على مسارين: الحفاظ على الاستقرار النقدي وزيادة الاحتياطات من العملات الأجنبية.
ويشير إلى أن "التحويلات المالية إلى لبنان مستمرة بل زادت في الفترة الأخيرة أثناء الحرب, حيث أرسل المغتربون مبالغ أكثر من المعتاد لدعم ذويهم, وقدرت هذه الزيادة بحوالي 200 إلى 250 مليون دولار, وهو ما مكّن الاقتصاد اللبناني من الحصول على وفرة نقدية".
ويبشّر جباعي وفق معلوماته, إلى أن "مصرف لبنان يعمل على خطة جديدة تخص المودعين, ومن الممكن أن يلجأ بعد فترة إلى إجراء تعديلات على التعاميم".
ويؤكد أن "لبنان قادم في المرحلة المقبلة على إصلاحات سياسية ستؤدي إلى مؤتمر دولي لدعم لبنان بمبالغ عالية من أجل إعادة الإعمار, وكل ذلك يصب في مصلحة الاقتصاد اللبناني ومصلحة الاستقرار النقدي أيضًا, ومن هنا يرى أن كل هذه التهويلات التي يقف وراءها مضاربون سابقون على الليرة الذين يحاولون بشتى الوسائل اللعب بهذا الأمر, وهم حاولوا أثناء الحرب ولكن فشلت كل مخططاتهم, حيث كان المصرف المركزي بالمرصاد لتلك المحاولات".
ويشدد على أن "هؤلاء سيفشلون من جديد لأن الليرة اللبنانية مستقرة على قواعد ثابتة ودقيقة وعلمية".
أما على صعيد انهيار الليرة السورية, فيذكر أنها "كانت تنهار منذ سنتين إلى اليوم, في مقابل الاستقرار في الليرة اللبنانية المستمر منذ سنة وسبعة أشهر, لذلك, فإن الحديث عن قرب انهيار الليرة بسبب الأزمة السورية هو أمر غير صحيح أبدًا, بل العكس, هناك مؤشرات إيجابية في سوريا بعد انتهاء النظام السوري الذي كان يخضع لنظام قيصر, حيث أن رفع العقوبات سيدر مبالغ نقدية إلى سوريا مما يحسن الاقتصاد السوري وينعكس إيجابًا على لبنان اقتصاديًا".
ويختم جباعي: "كل من يحاول اللعب بالاستقرار النقدي اللبناني سيفشل لأن هذا الأمر بعيد كل البعد عن الواقع النقدي والمالي الحقيقي في البلاد".