على مشارف انقضاء الشهر الثاني من النزوح الكبير, لم تشكّل المساعدات العينية التي وصلت إلى لبنان من مصادر مختلفة أكثر من 15 إلى 20% من احتياجات النازحين وفق لجنة الطوارئ الحكومية. وفيما لبّت المبادرات الإغاثية الفردية جزءاً كبيراً من هذه الاحتياجات, كما جرت العادة عند كل أزمة, فعّلت الجهات المعنية في حزب الله عملها الإغاثي بعد غيابٍ طبع الأسابيع الأولى من النزوح. وحدها الدولة بقيت بعيدة عن مواطنيها, كما هي العادة أيضاً, وكما يبدو واضحاً من استقالة عددٍ من الوزراء من أدوارهم, ومثلهم بعض المحافظين ورؤساء البلديات, باستثناء أداء وزارة الصحة, ولجنة الطوارئ الحكومية على مستوى التنسيق وتوزيع المساعدات وجمع الداتا, بمساعدة متطوّعين.
فوزير الداخلية, ولأسبابٍ غير مفهومة, انسحب من لجنة الطوارئ الحكومية, رغم أن وزارته أساسية. والتقصير يمتد إلى وزارة الشؤون الاجتماعية التي يُفترض أن يكون لها مندوبون في المراكز, وهو ما لم تفعله, فيما آثرت تقديم المساعدات الإغاثية بشكلٍ منفصل عن لجنة الطوارئ. وربما لا يعلم وزير الشؤون الاجتماعية أن مساعداتٍ خرجت من مخازن تابعة للوزارة ووُزعت بأسماء أطراف سياسية, مثلما هي الحال مع الهيئة العليا للإغاثة. كذلك, يُسجّل غياب تام لوزارة الخارجية والمغتربين عن ملف النزوح, إذ لم تُلمس فعالية الدبلوماسية اللبنانية عبر سفراء في العالم (راتب السفير لا يقل عن 10 آلاف دولار شهرياً), وكذلك الملحقون الاقتصاديون الذين تربطهم علاقات مع رجال أعمال في الخارج في مختلف القطاعات. ففي ظروف كهذه, كان منتظراً, أن يتجنّد هؤلاء, ويستثمروا علاقاتهم في الدول التي يقيمون فيها, واستنفار المغتربين لاستقدام مساعدات عينية ومالية. أما الطامّة الكبرى, ففي وزير الاقتصاد الذي طار إلى الولايات المتحدة منذ ثلاثة أسابيع في وقت يواجه البلد عدواناً, منهمكاً في تهنئة الرئيس الأميركي المنتخب.
منذ عامٍ, يُفترض أن الدولة اللبنانية تنتظر عدواناً كالذي شنّه العدو الإسرائيلي في 23 أيلول الفائت. وهي حكماً لم تُفاجأ بشح التمويل الدولي على الصعيد الإغاثي للنازحين. لا بل كانت تتوقّعه, وعلى علمٍ بتواطؤ المجتمع الدولي على عدم مساعدة النازحين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية, إذ لمست على مدى عام أن أحداً في الخارج لم يستجب لنداءاتها لإغاثة 100 ألف نازحٍ جنوبي تركوا قرى وبلدات الحافة الأمامية مع بدء تفعيل الجبهة عسكرياً. رغم ذلك لم تعد العدّة لتمويل خطة الطوارئ, ومع تحوّل السيناريو المُحتمل إلى أمر واقع, مرّت سبعة أسابيع قبل الاتفاق على صرف سلفة مالية بقيمة 150 مليون دولار لزوم تقديم مساعدات إغاثية, بعد ضغط نواب حركة أمل وحزب الله بهذا خلال جلسة مع الوزراء الأعضاء في لجنة الطوارئ الحكومية.
واقع الحال اليوم في مراكز الإيواء ليس بالسوء الذي كان عليه قبل أسابيع. ففي أماكن عدة تم تأمين الأساسيات, إلا أن الاحتياجات لا تزال كبيرة, وأحد التحديات الأساسية يتمثل بتأمين التدفئة, فيما لا يزال الوضع كارثياً للنازحين في المنازل, وعددهم نحو مليون.
وتبيّن أحدث جردة للمساعدات العينية التي تسلّمها لبنان من الدول والمغتربين والمنظمات الدولية عبر المطار والمرفأ, أنّها تتوزع بين مساعدات طبية (أدوية ومستلزمات) تسلّمتها وزارة الصحة, ومساعدات إيوائية وغذائية. ويتم توزيع المساعدات عبر وزارة الصحة, مجلس الجنوب, الهيئة العليا للإغاثة, المؤسسات الدولية ولجنة الطوارئ الحكومية. وفي ما خص المساعدات التي تُشرف عليها الأخيرة فقد بلغ مجموعها حتى الآن: 40 ألفاً و662 صندوقاً غذائياً, وُزّعت 90% منها, 15 ألفاً و735 صندوق مواد نظافة وُزّعت 90% منها, و17938 صندوق إيواء وُزّعت 74% منها, و2774 خيمة وُزّعت 54% منها, و39615 بطانية وفرشة وُزّعت 61% منها. ويتم إرسال المساعدات عبر شاحنات الصليب الأحمر, أو تلك التي يستأجرها على نفقته, إلى غرف عمليات المحافظات الثماني, ليتولى المحافظون توزيعها على النازحين عبر خلايا الطوارئ عند القائمقامين أو البلديات أو اتحادات البلديات. إلا أنّ المشكلات تظهر في المرحلة الثانية من العملية, أي التوزيع من المحافظة إلى البلديات, ومنها إلى المدارس في نطاقها, وداخل المدارس على النازحين. فيما شكا نازحون في مختلف المناطق من مدراء مدارس غير متعاونين لا يسلّمون المساعدات إلا بالتقسيط, وآخرين يخزّنون الفرش ولا يوزعونها, ومن موظفي إحدى البلديات التي استحوذ موظفوها على جزء من المساعدات. وفيما يقع المحافظون ورؤساء البلديات تحت وصاية وزارة الداخلية, لم تتحرك هذه الأخيرة حتى للتحقيق في أيّ من هذه الشكاوى.
1,3 مليون نازح و1017 مركز إيواء
أدّى العدوان الإسرائيلي على لبنان إلى نزوح أكثر من مليون و200 ألف شخص, نزل نحو 200 ألف (نحو 45 ألف أسرة) في 1017 مركز إيواء وصلت غالبيتها إلى قدرتها الاستيعابية القصوى, وتتوزع على 17 مؤسسة تعليمية رسمية وخاصة في محافظة النبطية و71 في محافظة الجنوب و109 في الشمال و383 في جبل لبنان و158 مركزاً في محافظة بيروت و122 في البقاع و59 في بعلبك الهرمل و98 في عكار, إضافة إلى ملاجئ وجمعيات ونوادٍ ودور عبادة وفنادق.