صدر عن المكتب التنفيذي لمنظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني البيان الآتي:
أولاً ـ يواجه وطننا لبنان خطراً مصيرياً داهماً, يهدد كيانه السياسي بمختلف مؤسساته واجتماعه البشري وجغرافية أرضه وحدوده, على نحو لم يعرف مثيلاً له طوال تاريخه الاستقلالي.. وقد أمكن له سابقاً تجاوز مثل هذه المخاطر بقوة مقاوماته وصمود أهله ضد الاحتلال الاسرائيلي, وفي مواجهة جميع أشكال الوصاية والتدخلات الخارجية, على الرغم مما عرفه من انقسامات وصراعات على امتداد العقود الماضية, والتي جعلت منه مسرحاً مفتوحاً لنزاعات دموية تشابكت فيها عوامل الانقسام الموروثة والمستجدة مع مجمل أزمات المنطقة المتفجرة.
ثانياً ـ إن الحرب الاسرائيلية على لبنان, لم تزل تتوالى فصولاً كارثية, معطوفة هذه المرة على ما سبقها من عمليات قتل وتهجير وتدمير بذريعة خوض معركة مساندة غزة التي بدأها حزب الله. وعدا الدمار الهائل لعشرات القرى والبلدات والمدن, فقد أدت الحرب إلى سقوط آلاف الشهداء وعشرات ألوف الجرحى. والأخطر يتمثل في عملية الاقتلاع والتهجير القسري المتعمّدة للنيل من الطائفة الشيعية في وجودها وممتلكاتها ومصادر عيشها, في الجنوب والبقاعيين الغربي والاوسط ومنطقتي بعلبك ـ الهرمل وضاحية بيروت الجنوبية, بذريعة الحرب على حزب الله, والتي نتج عنها تهجير مليون ونصف مليون مواطن وتشريدهم في وطنهم.
ثالثاًـ إن مخاطر العدوان الاسرائيلي تتجاوز مخطط تدمير عمران الجنوب وتهجير أهله وإفناء مقومات الحياة والعيش فيه, بغية إقامة منطقة أمنية عازلة خالية من السكان. وهي تطال كل لبنان, سواء عبر عمليات التهجير والتدمير الشامل لمناطق واسعة منه, أو من خلال التلاعب بمعادلات بنيته المجتمعية الكيانية والسعي لتفجيرها, والاجهاز على ما تبقى من وحدة البلد الداخلية ومؤسساته الوطنية. وهي الأهداف التي ينفذها العدو في سياق مخططات السيطرة والهيمنة الدولية والاقليمية على المنطقة, والتي تهدد مصيرها, من خلال استغلال أزماتها الداخلية والتدخل فيها لتفكيك بنى مجتمعاتها وتدمير مؤسسات وأجهزة الدول الوطنية فيها.
رابعاًـ إن الحرب الاسرائيلية على لبنان, يجب ألا تحول دون رؤية خطر المشاريع الطائفية والفئوية على ما تبقى من وحدة اللبنانيين ومصيرهم, جرَّاء إمعان أصحابها في الالتحاق بالجهات الدولية والاقليمية المتصارعة والمتناحرة للسيطرة على المنطقة ومواردها, بما فيها لبنان. وهي التي ترى في قوى الانقسام الداخلي أدوات لتنفيذ سياساتها وخدمة مصالحها. وفي هذا السياق تقع محاولات النظام الايراني لتكريس وصايته على لبنان, بذرائع مذهبية, أدت إلى شحن المعادلة اللبنانية بالمزيد من عوامل التازم على نحو يهدد بتفجيرها من داخلها, ويضع مصير الكيان والاجتماع اللبناني أمام المجهول.
خامساً ـ ومع تواصل وتصاعد عمليات القتل والتدمير الشامل, التي بلغت ذرىً غير مسبوقة في سائر المناطق. وفي ظل المعطيات السياسية الدولية والاقليمية والمؤشرات الميدانية, التي تشي باستمرار وتصاعد حدة الحرب على لبنان, بشكل لا يختلف عمّا يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية, والذي يهدد وجوده وقضيته وحقوقه الوطنية. فيما الاهتمام الدولي والعربي, لم يتجاوز تكرار الدعوات لوقف الحرب, والاكتفاء بالإدانة وعمليات الاغاثة المحدودة, في موازاة التواطؤ لتمكين العدو الاسرائيلي من تحقيق أهداف حربه على فلسطين ولبنان. يؤكد ذلك غياب الموقف الجاد والمسؤول لإيقاف الحرب ولو في صيغة وقف لاطلاق النار.
سادساًـ إن مسؤولية انقاذ لبنان من المخاطر التي تتهدده, تقع أولاً واساساً على عاتق أطراف السلطة وجميع اللبنانيين, وليس على أي دولة أو جهة خارجية. إن الإنقاذ يتطلب من الجميع مغادرة الاستقواء بالخارج أو الارتهان له, والابتعاد عن السياسات الانتظارية, والتحصن بالقرارات الدولية والاممية. وفي هذا الاطار تبرز أهمية وضرورة رفع شعار وقف الحرب, بديلاً عن الاستمرار فيها وتوهم القدرة على هزيمة اسرائيل من مواقع فئوية مهما بلغت إمكانات قواها, لأنها أقصر الطرق نحو خسارة الوطن ومبرر وجوده.
سابعاًـ لذلك ترى المنظمة أن حماية لبنان وانقاذه من التهديدات والمخاطر الاسرائيلية, تشكل أولوية وطنية تتقدم على كل ما عداها. ولا يمكن تحقيقهما إلا من خلال استعادة الوحدة الوطنية اللبنانية والاستقواء بها, باعتبارها ضمانة القدرة على الصمود في مواجهة العدوان, وفي تجنب خطر إلحاق الشعب اللبناني بمصير الشعب الفلسطيني وما يعانيه من عمليات ابادة ودمار وتشريد وتطهير عرقي وإذلال. إن شرط انقاذ لبنان معالجة عناصر الخلل التي تكاد تودي بكيانه ومؤسساته. ما يستدعي المبادرة إلى استعادة الثقة بين اللبنانيين عبر الحوار وعن طريق الاحتكام لدستور الطائف وتجديد الالتزام به, والاسراع بانتخاب رئيس للجمهورية وقيام حكومة شرعية, وتكليف الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية حصراً مهام حماية لبنان وأمن مواطنيه, مدخلاً لتفعيل أجهزة الدولة وقطاعاتها, لتمكينها من التعامل مع مضاعفات الحرب ومعالجة نتائجها التدميرية.
ثامناً ـ كما تشدد المنظمة على أن وقف الحرب وإنقاذ لبنان مدخله استعادة الدولة اللبنانية لدورها ومهامها, عبر سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية. وعليه فإن جميع من هم في مواقع السلطة والمسؤولية الدستورية, ومعهم سائر الاطراف والقادة السياسيين مطالبون اليوم بتجديد انتسابهم للوطنية اللبنانية الجامعة, والتخلي عن مشاريعهم الطائفية والفئوية, والإقدام في تحمّل المسؤولية, واتخاذ المواقف والقرارات اللازمة باسم الدولة من أجل وقف الحرب إنقاذاً للبنان.
تاسعاًـ كنا في المنظمة, ولم نزل وسنظل نراهن على تماسكنا وتضامننا الوطني والمجتمعي, مستندين في ذلك إلى صمود اللبنانيين, وقدرتهم رغم كل التحديات والمصاعب في الحفاظ على الحد الادنى من وحدتهم الوطنية, وتجاوز مسلسل الأزمات والامتحانات العسيرة التي خضعوا لها. ولذلك ومن منطلق المسؤولية الوطنية, ولأن لبنان يواجه كارثة مصيرية, فإننا ندعو سائر القوى السياسية الديمقراطية والفئات والهيئات الاجتماعية والتجمعات والشخصيات الوطنية والثقافية وسواها, الآن وقبل فوات الأوان, أولاً إلى تجاوز الهامش الذي فُرض عليها من قبل قوى المحاصصة الطائفية والتسلط بقوة السلاح, وهي مطالبة ثانياً بمغادرة سياسة الانتظار, والتلاقي للنهوض بمسؤولياتها, وصياغة مشروع انقاذ وطني. والمبادرة ثالثاً, إلى تنظيم أوسع التحركات الضاغطة على المسؤولين من أهل السلطة كي يتحملوا مسؤولياتهم التي تخلوا عنها وفرطوا بها, مدخلاً لبقاء لبنان وطناً واحدا موحداً لجميع أبنائه.
عاشراًـ إن ما نطرحه وما ندعو إليه هو تحدٍ يواجهنا كلبنانيين بصرف النظر عن مشاربنا الفكرية وانتماءاتنا السياسية والاجتماعية. ورغم كل الصعوبات من المهم أن نثق كلبنانيين بقدرتنا على العمل والفعل. وهنا تكمن أهمية المبادرة وعدم انتظار المجهول ورفض التسليم بالأمر الواقع والخضوع لآليات الفوضى الاهلية والأمنية وفق مشيئة العدو وقوى الحرب. إنه التحدي الصعب. وهو مسؤولية اللبنانيين المطالبين اليوم بتجديد انتسابهم إلى لبنان الوطن, وخصوصاً المعنيين بتجديد الأمل بإمكانية إنقاذه من الاخطار كي يبقى وطناً لهم ولأبنائهم.