تستمر الأزمة المتعلقة بتجنيد اليهود المتشددين دينيًا في إسرائيل في إثارة الجدل, خاصة بعد اتخاذ الحكومة الإسرائيلية خطوات جديدة في هذا الملف الشائك, الذي طالما شكل مصدرًا للتوتر بين الأوساط العلمانية والدينية.
فقد قرر وزير الدفاع الإسرائيلي, يسرائيل كاتس, الأسبوع الماضي تجنيد 7 آلاف من اليهود الحريديم (المتدينين المتشددين) في صفوف الجيش, وهو القرار الذي أثار ردود فعل متباينة وألقى الضوء مجددًا على التحديات الاجتماعية والدينية في إسرائيل.
ففي خطوة أخرى لزيادة تعزيز القوات العسكرية الإسرائيلية, بظل الوضع الأمني المتفاقم على جبهات الجنوب والشمال, أصدرت وزارة الدفاع إخطارات جديدة لاستدعاء مزيد من الحريديم للخدمة العسكرية, وهو ما يزيد من تعقيد المسألة في مجتمع يتسم بالانقسامات العميقة.
وتأتي هذه الخطوة بعد القرار التاريخي للمحكمة العليا في حزيران الماضي, الذي قضى بإلغاء الإعفاءات الشاملة التي كانت تمنح لطلاب المعاهد الدينية اليهودية من الخدمة العسكرية, وهو إجراء كان ساريًا منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948, حينما كان عدد الحريديم قليلًا نسبيًا.
ويهدف الجيش الإسرائيلي, بحسب ما ورد في بيان رسمي لوزارة الدفاع, إلى دمج الحريديم في صفوفه بهدف تخفيف العبء عن الجنود والعسكريين الاحتياطيين. ورغم أن هذه الخطوة تُعتبر ضرورية لتعزيز قدرات الجيش في ظل الحرب المستمرة على جبهتي غزة ولبنان, إلا أنها قد تؤدي إلى تصعيد التوترات بين الأوساط الدينية والعلمانية في إسرائيل.
وتنطوي هذه الخطوة على تحديات كبيرة, حيث يتعين على الجيش الإسرائيلي التنسيق مع قادة الطائفة الحريدية لضمان الحفاظ على نمط حياتهم الدينية أثناء فترة الخدمة العسكرية.
ومن أبرز القضايا التي قد تثار في هذا السياق هي ضرورة توفير بيئة متوافقة مع القيم الدينية للحريديم, مثل فصل الجنسيات والامتناع عن أداء بعض الأنشطة التي تتعارض مع معتقداتهم الدينية.
من جانبه, أشار وزير الدفاع يسرائيل كاتس إلى أن العملية ستكون تدريجية, إذ من المقرر إصدار 7 آلاف أمر تجنيد على مدى 6 إلى 8 أسابيع, بهدف ضمان دمج الحريديم في الجيش بطريقة لا تمس بحقوقهم الدينية.
وفي الوقت نفسه, يواجه الجيش تحديات في كيفية تحقيق هذا الدمج, في ظل استمرار المعارضة الشديدة من بعض الأوساط الدينية التي ترفض تجنيد أبنائها في الجيش.
ومنذ عام 2017, تعذر على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الوصول إلى حل قانوني متوافق بشأن تجنيد الحريديم, وهو ما عزز من حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي في البلاد.
فقد ألغت المحكمة العليا في 2017 القانون الذي كان قد أقره الكنيست في 2015, والذي كان يتيح إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية, معتبرة أن هذا الإعفاء يشكل انتهاكًا لمبدأ المساواة في التعامل مع المواطنين الإسرائيليين. منذ ذلك الحين, تعرضت الحكومات الإسرائيلية لضغوط مستمرة لتطوير قانون جديد ينظم قضية تجنيد الحريديم.
مع ذلك, فشلت كافة المحاولات القانونية في التوصل إلى اتفاق حاسم, ما دفع الحكومة إلى تمديد إعفاءات الحريديم بشكل مستمر, في وقت شهد فيه المجتمع الإسرائيلي مزيدًا من الانقسامات بين الأوساط العلمانية والدينية.
وتبقى قضية تجنيد الحريديم في الجيش الإسرائيلي إحدى أبرز القضايا التي تُغذي الانقسامات الداخلية في إسرائيل. ففي حين يرى العلمانيون أن الخدمة العسكرية يجب أن تكون واجبًا على جميع المواطنين, يعارض العديد من الحريديم أي محاولة لإجبارهم على الانخراط في الخدمة, معتبرين أن ذلك يتعارض مع معتقداتهم الدينية وحريتهم الشخصية.
(العربية)