قال البنك الدولي, في تقرير له يوم الخميس الماضي, إن أكثر من 99,209 وحدة سكنية تضرّرت في لبنان نتيجة الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله منذ الثامن من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023. وبينما دُمّر 18% من الوحدات تلك بشكل كامل, تخطّت الخسائر المادية مبلغ 3.4 مليار دولار.
تضاف إلى الأرقام أعلاه خسائر اقتصادية فادحة تجاوزت قيمتها 5 مليارات دولار لتمعن في إغراق لبنان في وحول تداعيات الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعصف به منذ العام 2019. ووفق التقرير الذي شمل الفترة الممتدّة بين 8 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 و27 تشرين الأوّل/أكتوبر 2024, تتوزّع الخسائر على كافة القطاعات, وأبرزها التجارة, السياحة, الزراعة والفنادق التي أصيبت بشلل كامل نتيجة التصعيد العسكري بين الطرفين. وبالتالي, يخسر لبنان فعلياً ما يعادل 15 عاماً من النموّ الاقتصادي.
تصعيد عسكري وخسائر بشرية
تواصل إسرائيل شنّ غارات جوية مكثّفة على جنوب لبنان (الذي يُعدّ منطقة نفوذ رئيسة لحزب الله) وشرقه, مستهدفة معاقل "الحزب". وقد أسفرت هجمات اليومين الأخيرين عن مقتل أكثر من 40 شخصاً, بينهم نساء وعناصر من فرق الدفاع المدني ومسعفون ميدانيون, وفقاً لما ذكرته وزارة الصحة اللبنانية.
وفي تطوّر لافت, كثّفت إسرائيل من وتيرة عملياتها العسكرية ضدّ لبنان منذ 23 أيلول/سبتمبر الماضي, بعد أن ركّزت جهودها بدايةً على إضعاف قدرات حركة "حماس" في غزة. وقد شملت التحركات الإسرائيلية استهداف مواقع استراتيجية لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق أخرى, مثل مدينة بعلبك بقاعاً.
أزمة نزوح في إسرائيل
من جهة أخرى, أشار التقرير إلى أن هدف إسرائيل من خلال عملياتها العسكرية هو تحييد حزب الله عن المناطق الحدودية الجنوبية للبنان, ضماناً لعودة نحو60000 مستوطن من سكان شمال الدولة العبرية سبق ونزحوا بسبب القصف المتواصل لحزب الله. ومع ذلك, يواصل "الحزب" إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل, رغم اعتراض الدفاعات الجوية الإسرائيلية لمعظمها, بحسب التقارير الميدانية.
استهداف المدنيين وعمال الإغاثة
لم تقتصر الخسائر البشرية الناتجة عن التصعيد العسكري على المدنيين, بل طالت فرق الإغاثة أيضاً. ففي بعلبك, مثلاً, استهدفت غارة إسرائيلية منذ يومين مركزاً للدفاع المدني اللبناني, ما أدى إلى مقتل 12 شخصاً, بينهم ثمانية مسعفين, بحسب وزارة الصحة اللبنانية أيضاً. وجنوباً, قُتل ستة أشخاص, بينهم أربعة من مسعفي حزب الله, في غارة على بلدة عربصاليم.
التصعيد الجوي حدا بالولايات المتحدة إلى التعبير عن قلقها إزاء الغارات الإسرائيلية, خصوصاً تلك التي استهدفت مناطق مكتظة بالسكان في الضاحية الجنوبية لبيروت القريبة من المطار الدولي. وقد صرّح متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية بأن بلاده لا ترغب في رؤية عمليات عسكرية في بيروت, لا سيّما في مناطق ذات كثافة سكانية عالية.
امتداد التصعيد إلى سوريا
توازياً, كثّفت إسرائيل غاراتها الجوية في الداخل السوري. ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان, قُتل ما لا يقل عن20 شخصاً يوم الخميس الماضي في غارات استهدفت مبانٍ سكنية في حي المزة في العاصمة, دمشق, ومناطق في قدسيا (في ضواحي العاصمة). وسبق للجيش الإسرائيلي أن أعلن أن الضربات استهدفت "قواعد عسكرية تابعة لحركة الجهاد الإسلامي" – والأخيرة فصيل فلسطيني مسلّح, مدعوم من إيران, وحليف رئيس لحزب الله.
زيارة إيرانية تعزّز المخاوف الإقليمية
الغارات الإسرائيلية تزامنت مع زيارة مستشار المرشد الأعلى الإيراني, علي لاريجاني, إلى دمشق (وتوجّه بعدها إلى بيروت في زيارة تحمل دلالات سياسية وعسكرية هامة في ظل التصعيد الحالي). ورغم الضغوط الدولية, لفت وزير الدفاع الإسرائيلي المعيَّن حديثاً, يسرائيل كاتس, إلى أن إسرائيل لن تتوقف عن القتال ولن تخفّف من وتيرة عملياتها ضد حزب الله.
الأرقام والمعطيات التي نشرها البنك الدولي تشي بأن الصراع الذي يتوالى فصولاً, وسط انسداد أفق الحلول, يضع لبنان بإزاء تحديات شديدة, وأمام كارثة إنسانية واقتصادية معطوفة على تهديدات عسكرية مستمرّة. وهو ما يعمّق من حدّة أزمته متعدّدة الأبعاد التي تضع استقراره ومستقبله على المحكّ.
كارين عبد النور _ الحرّة