قبل أن يتوجه الى المملكة العربية السعودية للمشاركة في القمة العربية الإسلامية غير العادية المنعقدة في الرياض بدعوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان, كان لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حركة داخلية لافتة في اتجاه المراجع و القيادات الروحية والسياسية والنيابية للطائفة السنية, تحت عنوان استعراض الأوضاع وإجراء جولة أفق. لكن تلك الحركة صبّت – وربما هدفت في الأساس – في رفد ميقاتي بدعم يجعله أكثر ارتياحاً وثقة أمام القمة, كما في لقائه مع ولي العهد, ولا سيما أن موقعه على رأس الحكومة يفتقر إلى الصلاحيات بفعل استقالة الحكومة واقتصار عملها على تصريف الأعمال.
بالفعل, شكلت لقاءات ميقاتي مع النواب السنة, ومع المفتين, جرعة دعم جيدة, من دون أن تتجاوز هذا المستوى بحيث يمكن ترجمتها أو صرفها في إطار استعادة الزخم داخل الطائفة بما يخرجها من حال الإحباط والتهميش الواقعة فيه, بفعل تشتت أركانها وكوادرها, وتعذر بروز زعامة قادرة على لمّها تحت كنف جامع لكل المكونات.
أعطت قمة الرياض التي خُصّصت لبحث وضعي لبنان وغزة, وبيانها الختامي, مقرونة بلقاء تجاوز الطابع البروتوكولي بمدته ومضمونه بين ولي العهد ورئيس الحكومة, نفحة تفاؤل حيال حظوظ عودة الرعاية السعودية للبنان عموماً وللسنة على وجه الخصوص. وهي عودة يريدها السّنة لا من الباب الإنساني والإغاثي فحسب, بل من الباب السياسي الذي يعيد إلى الطائفة قوة الموقع الذي خسرته منذ خروج الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري من الحياة السياسية. لكن التمنيات والآمال في مكان والواقع المحكوم بالحسابات الشخصية في مكان آخر!
فالمشكلة السنية لا تكمن في غياب القيادة أو المرجعية فحسب, وإنما في الانقسام العمودي داخل مكوناتها بين من يريد العباءة السعودية له, وبين من لا يزال متمسكاً بالدوران في فلك إيران و"حزب الله", بعدما كشفت النقاشات الداخلية للنواب مع ميقاتي التباين الحاد حيال الموقف من سلاح الحزب, علماً بأن رئيس الحكومة غرّد خارج سرب النواب الممانعين, متبنّياً السقف السعودي بإعلانه التزام حكومته تطبيق القرار ١٧٠١ القاضي في أحد بنوده الأساسية بسحب سلاح الحزب ونشر الجيش, ذاهباً أبعد في رفع السقف, عندما كرّر هذا الموقف من المملكة وأمام القمة, عندما قال إنه لا سلاح إلا سلاح الشرعية.
يدرك ميقاتي أن مواقفه الأخيرة من نيويورك إلى الرياض مروراً بالسرايا لا سيما مع المسؤولين الإيرانيين, تلاقي انزعاجاً لدى الفريق الممانع وتهدده, رغم تواصله وتنسيقه الدائمين مع رئيس المجلس نبيه بري. ولكنه يدرك في الوقت عينه, أن لبنان لا يمكنه أن يخرج عن الشرعية الدولية, وأن لا أفق للبنان لوقف الحرب والعودة إلى التعافي من دون التزام هذه الشرعية, ولا إمكانية لإعادة الإعمار من دون الدعم العربي والدولي, خلافاً لرهان الحزب على طهران و"جهاد البناء", كما كانت الحال بعد عدوان تموز.
قد يكون للبعض رأي بأن ميقاتي حصّن نفسه وموقعه في وجه الامتعاض الإيراني منه, قبيل توجهه إلى الرياض متسلحاً بدعم وإن متفاوتاً من القاعدة السياسية والروحية والنيابية السنية, إلا أنه في الواقع ينطلق في مواقفه مما يسمعه من ضغوط أميركية وغربية وعربية تلزم لبنان باتخاذ قرار, من خارج السردية اللبنانية التي تربط تنفيذ القرارات الدولية وانتخاب الرئيس بوقف للنار.
ولعل ما قاله وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أمس من عين التينة, كان الرسالة الأوضح, وهي تأتي غداة قمة الرياض, بعدم جواز ربط انتخاب الرئيس بوقف النار.
والسؤال اليوم في الأوساط المحلية: هل يمكن التعويل على ما سمعه ميقاتي في الرياض, فتكون له مواكبة ومتابعة داخلية, أم أن ميقاتي الذي ذهب بدعم طائفته إلى القمة, عاد بمظلة سعودية لبقائه في السلطة؟
سابين عويس- النهار