من الآن وحتى تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مفتاح البيت الأبيض في 20 كانون الثاني المقبل, يلف الغموض كل المبادرات الدبلوماسية لوقف الحرب في لبنان. وفيما جرى الحديث عن استئناف المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين مهمته بين بيروت وتل أبيب, في محاولة للتوصل إلى وقف اطلاق النار, إلا أن عقبات كثيرة تقف في وجه وساطته, أولها أنه مبعوث للرئيس جو بايدن غير القادر على الضغط, وثانياً فشل هوكشتاين في مهمته الأولى, التي ردت عليها إسرائيل برفع شروط مرتفعة السقف, لا يوافق عليها لبنان.
إذا صح الكلام عن أن هوكشتاين يحمل نسخة معدلة للتسوية, فهي إما ستكون منسقة مع فريق ترامب, أو أنها محاولة أخيرة لإدارة بايدن لتسجيل انجاز بالتنسيق مع الأوروبيين للتوصل الى وقف موقت للنار في غزة ولبنان, وهما الجبهتان المترابطتان حيث فشلت الإدارة الأميركية سابقاً في تكريس مسار للحل, بسبب الدعم المطلق لإسرائيل وعدم ممارستها ضغوطاً كافية عليها, لا بل أنها زادت من التوتر الإيراني- الإسرائيلي, ولم تستغل الفرصة لصوغ تفاهمات كانت طهران توافق عليها قبل أن ترد على اغتيال السيد حسن نصرالله واسماعيل هنية, ثم تنفذ إسرائيل ضربات كبيرة في عمق إيران.
توحي المرحلة الفاصلة أن نتنياهو سيستمر في الحرب والعنف والتدمير, وهدفه القضاء على "حزب الله" وفرض المنطقة العازلة بما يتجاوز القرار 1701, أي تكريس سيطرة إسرائيل وتعزيز نفوذها في المنطقة, وعليه ستكون البوابة اللبنانية المدخل لتغيير المعادلات إذا نجحت في الميدان.
وحتى الآن, كل الدلائل تشير إلى أن ترامب, ووفق مصدر دبلوماسي, سيطلق يد إسرائيل ويبني على ما قدمه لها سابقاً, وهو في الواقع لا ينظر إلى هوكشتاين على أنه موفد يمكنه أن يحقق ما عجز عنه خلال سنة, باعتباره أحد أعضاء فريق بايدن, وبالتالي لا رهان على أن يحقق المبعوث الأميركي أي انجاز من دون دعم فريق ترامب وهو أمر غير متاح في الفترة الانتقالية. على أن جزءاً من المسؤولية في عدم تقدم التسوية على الجبهة اللبنانية يتعلق برهانات المحور الإيراني الذي بنى سياساته على قاعدة أن في الامكان بناء توازن الردع والحاق الهزيمة بإسرائيل, وبالتالي رفض وقف حرب الاسناد من لبنان الذي استنزف في الحرب وها هو يحصد تداعياتها تدميراً ونزوحاً وفي الاقتصاد المتهالك. فانطلاقاً من معادلة توازن الردع اعتبر "حزب الله" أن إسرائيل لن تستطيع كسر الخطوط الحمراء ولن تجرؤ على شن الحرب, ولا على تنفيذ الاغتيالات ليفاجأ وعلى الرغم من التحذيرات الدولية والرسائل المتتالية خلال سنة كاملة, أنه تعرض لضربات كارثية, فيما شنت إسرائيل حرباً تدميرية على لبنان وهجرت كل البيئة الشيعية في الجنوب والبقاع والضاحية.
صحيح أن "حزب الله" أعاد ترتيب أوضاعه بإشراف إيراني, ويراهن في الميدان على الحاق الخسائر بالجيش الإسرائيلي ودفعه الى إعادة النظر في حربه, لكن الحزب وهو يقاتل يستسهل أيضاً ما حل بالبلاد من دمار واستنزاف وذلك بالعودة إلى رهاناته الأولى وكأن شيئاً لم يحدث في بنيته وبيئته, في الوقت الذي تشير اليه كل الأجواء على أن نتنياهو سيواصل حربه مدعوماً من إدارة ترامب المتحفزة لمحاصرة "حزب الله" والضغط على لبنان لدفعه الى توقيع اتفاق وفق شروط إسرائيل. وعليه يبقى لبنان وحيداً في مواجهة الحرب ويتكبد خسائر بفعل رهانات مضخمة, والآتي ربما أعظم وأخطر.
ابراهيم حيدر - النهار