يومان "سنّيان" خصصهما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية, بدأهما أمس باستقبال مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان, بحفاوة ملحوظة, قبل أن ينضمّا إلى اجتماعٍ مع مفتي المناطق, على أن يُخصّص رئيس الحكومة اليوم للقاء موسّع مع النوّاب السنّة, يغيب عنه مبدئياً النوّاب: عماد الحوت (بداعي السفر) وحليمة قعقور وأسامة سعد (لرفضهما الانضمام إلى لقاءات تحت عناوين طائفيّة).
وعلمت "الأخبار" أنّ الدعوات التي وجّهت إلى النوّاب تضمّنت تمنّيات بعدم تسريب الخبر, وخصوصاً أنّ اللقاء سيكون بعيداً عن الإعلام, ما دفع ببعض النوّاب إلى التساؤل عن سبب "تستّر" ميقاتي على الاجتماع, "فيما مرجعيّات الطوائف الأُخرى تُعلن اجتماعاتها والدّعوات إليها مُسبقاً". فيما أشار نوّاب آخرون إلى أنّ هدف ميقاتي هو إبعاد اللقاء عن الضوء قبل انعقاده.
في الخلاصة, يزيد رئيس الحكومة من وقع الاجتماعات السنيّة قبل أيّام من زيارته للسعوديّة, مطلع الأسبوع المقبل, للمشاركة في القمّة العربيّة – الإسلاميّة. لذلك, ربط كثيرون بين الأمرين, وخصوصاً أنّ فكرة اللقاءات مع المرجعيّات السنيّة لم تكن لتحصل من دون "غمزة المملكة". غير أن مقرّبين من ميقاتي أكّدوا أن لا علاقة بين الأمرين.
رواية "الميقاتيين" يؤكّد عليها عدد من النواب, ويلفتون إلى أن أصل الفكرة "من عنديّات" النائب عبد الرّحمن البزري الذي طرحها على رئيس الحكومة, فدرسها على مهل قبل أن يتبنّاها ويبدأ توزيع الدّعوات.
ميقاتي: أنا المرجعية
لا يُمكن لرئيس الحكومة أن يجد أفضل من فكرة نائب صيدا لتطبيقها في ظلّ هذه الظروف. فهو أثبت نفسه رئيساً يعرف كيف يدوّر الزوايا ويحبك المواقف "بضربةٍ على الحافر وضربة على المسمار". رجلٌ واحد يُجمع عليه الخصوم والحلفاء, صديق رئيس مجلس النوّاب نبيه بري بما يمثّل, ومقرّب من المسؤولين الفرنسيين والأميركيين, ومرحّب به عربياً؛ وحتّى "الفيتو" الذي كان مرفوعاً في وجهه في السعوديّة, صار بالكاد مسموعاً أخيراً. صحيح أنّه لا يرقى إلى مستوى المحسوب على "المملكة" إلا أنّ مواقفه, ومنها انتقاده للجانب الإيراني, أراحت الخليجيين.
كلّ ذلك, رفع من أسهم ميقاتي وثبّت أمل بقائه في السرايا الحكومية وتسميته رئيساً لحكومة العهد الجديد. ولا يُريد الرّجل أكثر من ذلك, ليُكرس نفسه مرجعيّة سنيّة مستفيداً من "مرحلة تغييب" الرئيس سعد الحريري. وبالتالي, ستثبّت اجتماعات السرايا القدرة التمثيليّة للرّجل في الجهازَين الديني والسياسي, وما خلفهما من مدّ شعبي. صحيح أن لا كتلة تُمثّله في مجلس النواب, إلا أنّه عرف خلال الأعوام الأخيرة كيف "يغرف" من "الحريريين" نواباً "ينامون على يده" بسبب الخدمات التي يقدّمها لهم والأبواب التي يفتحها أمامهم. وعليه, صارت لديه كتلة من دون جهود انتخابية و"فتّ" أموال, وباستطاعته أن يشير إليها ليلمّح إلى أنّه "مرجعيّة جامعة" تستطيع توحيد المواقف, داخل طائفة مترامية المواقف.
كلّ ذلك أرخى مشهداً متكاملاً لغطاءٍ سنّي يُريد ميقاتي تأكيد أنّه يحظى به في ظلّ هذا الظّرف الدقيق, إن كان قبل زيارته للسعوديّة أو حتّى قبل المفاوضات لوقف إطلاق النّار وتحضير نفسه ليكون السّلطة التنفيذيّة التي تقوم بتنفيذ القرار 1701. وهو ما يحتاج إلى رئيس قوي بشرعيّة طائفته أولاً, ويكون قادراً على اتخاذ القرارات والمضيّ بها.
نجح ميقاتي في لقاء أمس بأن يُظلّل مرجعيّته السياسيّة بحضور مفتي الجمهوريّة ومفتي المناطق ورئيس المحاكم السنيّة والقيّمين على دار الفتوى, الذين أشار بعضهم إلى أنّ "الأجواء كانت إيجابيّة والكلمات شدّدت على ضرورة الحفاظ على التماسك الوطني واللحمة والوحدة الوطنية سلاحاً في وجه العدوّ وتحدّيات الحرب, وأهميّة الوقوف خلف مقام رئاسة الحكومة". وبحسب الحاضرين, دعا ميقاتي المفتين إلى التمسّك بلغة الاعتدال والوحدة, ومنع التحريض والاحتقان الطائفي, والتأكيد على وحدة الصف الإسلامي.
وكان ميقاتي قد أشار إثر استقباله دريان, الذي أقيمت له مراسم استقبال رسمية, إلى أنّ "المرحلة الراهنة تتطلب تعاون جميع القيادات اللبنانية وتعاضدها من أجل مواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي على لبنان وحماية اللبنانيين من الشرور والفتن التي يسعى إليها العدوّ الإسرائيلي".
بدوره, أكّد دريان أنّ "دار الفتوى تدعم وتؤيد جهود ميقاتي في كل ما ينقذ لبنان من العدوان الصهيوني والأزمات المحدقة, وهذا يستدعي من الجميع التلاحم والتكاتف, وضرورة تحصين الوضع اللبناني الداخلي لمواجهتها وتعزيز وحدة الصف الإسلامي والوطني", داعياً إلى انتخاب رئيس للجمهورية.
بعد ذلك, عقد لقاء موسع شارك فيه: رئيس المحاكم السنية الشرعية الشيخ محمد عساف, مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام, مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان, مفتي بعلبك الشيخ أيمن الرفاعي, مفتي البقاع الشيخ علي الغزاوي, مفتي عكار الشيخ زيد زكريا, مفتي حاصبيا ومرجعيون الشيخ حسن الدلي, مفتي صور الشيخ مدرار حبال, أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية الشيخ أمين الكردي, المدير العام للأوقاف الإسلامية الشيخ محمد أنيس الأروادي والمدير العام لصندوق الزكاة الشيخ زهير كبي.
لينا فخر الدين - الاخبار