قصف المقاومة الإسلامية في لبنان قاعدة عسكرية في محيط مطار بن غوريون بصواريخ فاتح 110 وإعلانها دخول هذا النوع من الصواريخ الخدمة تزامناً مع ذكرى أربعينية الشهيد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله, وتزامناً مع تصريحات الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم التي شدد فيها على أن "إسرائيل" ستصرخ من الصواريخ والطائرات ولا يوجد مكان آمن في الكيان, له دلالات مهمة من حيث الرسائل والتوقيت .
واضح أن هذه التصريحات, التي أطلقها الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في كلمته, لا تأتى من فراغ , أو حتى للاستهلاك الإعلامي, بل تعكس تطبيقاً جلياً يعكس مدى استعداد حزب الله للحرب مع "إسرائيل", وقدرته على الإمساك بزمام الأمور, وعلى ضرب كل مكان في فلسطين المحتلة بالصواريخ والطائرات المسيرة, ومنها قد سبق استهداف منزل بنيامين نتنياهو في قيسارية ثم مطار بن غوريون والكليات والمواقع العسكرية الأخرى.
الأيام آتية, ثمة كلمات قليلة بعددها نطق بها الأمين العام الشيخ نعيم قاسم, لكنها كبيرة استراتيجياً بمعناها ومفرداتها, وتعكس في الوقت ذاته الاستمرار في نهج الأمين العام الشهيد حسن نصر الله التي توعد فيها إسرائيل قائلاً: "بيننا وبينكم الميدان والأيام والليالي", في إشارة قوية وواضحة تعكس روح التحدي والاستعداد ورغبة المقاومة الإسلامية في إذلال "إسرائيل" كما أُذلت في السابع من أكتوبر الماضي في طوفان الأقصى على يد حماس.
الصاروخ الرسالة, هكذا سميته بعد أن ضرب حزب الله صليته الصاروخية الأخيرة بصواريخ فاتح 110 واستهدف كلية عسكرية في محيط مطار بن غوريون أحدثت شللا كاملاً في حركة الطيران داخل المطار, يعطي دلالة واضحة على امتلاك حزب الله أجيالاً من الصواريخ والطائرات الحربية قادرة عل تحديد أهدافها بدقة بالغة, وتستطيع فرض معادلات جديدة في الحرب الدائرة بعد فشل "إسرائيل" ميدانياً في السيطرة على مناطق في جنوبي لبنان, وأمام مسلسل الخسائر الكبيرة التي تكبدها جيش الاحتلال الإسرائيلي في الحرب البرية الدائرة في الجبهة الشمالية من جهة, وفشل القبة الحديدية في قدرتها على حماية المطارات والمواقع الحساسة الأخرى داخل "إسرائيل", كحال الفشل الذي سجل إزاء هجوم حماس في معركة طوفان الأقصى وقدرتها على ضرب عمق تل أبيب .
يبعث حزب الله رسائل أخرى ذات أهمية في أكثر من اتجاه, من حيث التوقيت, إذ يتزامن هذا الاستهداف الدقيق بصواريخ استراتيجية, تزامناً مع برقية التهنئة التي أطلقها نتنياهو احتفاءً بفوز دونالد ترامب في سباق الرئاسة الأميركية, كأنه يقول إن الرهان على سحق حزب الله رهان خاسر.
وتأتي أيضاً في توقيت إحياء أربعينية استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ووفاءً لروحه, إذ انطلقت الصليات الصاروخية على نداءات لبيك يا نصر الله, وتنفيذا لرسائل حزب الله مؤخراً, والتي بعث بها تحت عنوان رسائل الهدهد.
من المؤكد أن تصريحات حزب الله وسلوكه في هذه المعركة تشير إلى أنه لم يكشف كل أوراقه بعد. وإعلانه أنه في صدد الانتقال إلى مرحلة جديدة أكثر سخونة وتصاعدية في المواجهة مع "إسرائيل" يدلل على أن وتيرة المواجهة اقتربت من الوصول إلى نقطة الحسم والحزم على قاعدة تجاوز الخطوط الحمر, وأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء, وأن حزب الله اتخذ قراراً يقضي بالمُضي حتى النهاية في معركة الإسناد للمقاومة الفلسطينية والدفاع عن الشعبين الفلسطيني واللبناني, وأن أي مسار سياسي يدعو إلى حل يجب أن يستند إلى ثوابت راسخة انطلقت من أجلها هذه المعركة بقناعة راسخة ويقين ثابت بحتمية النصر للمقاومة والانكسار لـ"إسرائيل" ومعسكرها مهما بلغت غطرسته وجرائمه, سواء في عهد الديمقراطيين أو الجمهوريين.
استمرار تمسك حزب الله بربط وقف إطلاق النار في لبنان بوقف الحرب قطاع غزة حتى بعد اغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله يؤكد أن المقاومة الإسلامية في لبنان مقاومة صلبة متماسكة في المواقف ذاتها التي انخرطت فيها في هذه المعركة يوم الثامن من أكتوبر, واستطاعت أن تتعافى وتجاوزت تفجيرات البيجر واغتيال عدد من قياداتها السياسية والعسكرية خلال الفترة الماضية, وأن كل الأهداف الإسرائيلية المعلنة غير قابلة للتطبيق, سواء على صعيد تفكيك حزب الله أو تدميره وسحقه, كما يحلم نتنياهو وائتلافه الحكومي في "إسرائيل", إذ عبر الإعلام الإسرائيلي مؤخراً عن صدمته ودهشة عدد من القيادات الأمنية والعسكرية في "إسرائيل" من استمرار حزب الله في إطلاق الصواريخ وزيادة مداها وقدرتها على إصابة أهدافها بدقة, وتجاوز كل منظومات التصدي, وهو ما سجل فشلاً جديداً يضاف إلى مسلسل الفشل المستمر في غزة, في وقت باتت "إسرائيل" عاجزة عن حسم المعركة لمصلحتها أو تحقيق أي من أهدافها المعلنة في الجبهتين, في وقت تعيش في زمن الأمن المفقود وتلاشي الردع .
"إسرائيل", بعد جملة التطورات التي تشهدها سياسياً وعسكرياً, تبدو بلا عقل سياسي يقودها سوى استمرار نتنياهو في ترؤس حكومة متطرفة, والمحافظة على المكانة السياسية, في وقت يثبت حزب الله قدرته على فرض المعادلات وقيادة المشهد, وهذا وضع "إسرائيل" أمام معضلة حقيقية وكبيرة, إما اللجوء والرضوخ لحل يوقف الحرب والعدوان, وإما خروج الأمور عن السيطرة, وهو ما سيؤثر في استقرار المنطقة برمتها.
ثمة خلاصة استراتيجية تُسجَّل في هذه المقام وفي قراءة لكل المحطات التي مرت فيها المقاومة الإسلامية في لبنان, وقوفاً عند المواقف التي أعلنها الأمين العام الجديد الشيخ نعيم قاسم, هي أن حزب الله سيخرج من هذه المعركة أقوى, عصيا على السحق أو الخرق أو الانكسار, وأن رجاله باتوا أكثر جاهزية, تسليحاً وتدريباً, وأن الأثمان التي دفعها خلال هذه المعركة ستولد حزباً ينبض بحب فلسطين أكثر, قدم دماءً وشهداء وقادة في طريق القدس ومن أجلها.
شرحبيل الغريب - الميادين