أدرك يوآف غالانت, وزير الدفاع الإسرائيلي, أن أيامه في منصبه باتت معدودة, وذلك بعد محاولات متكررة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإقالته, حيث تصاعدت التوترات بينهما بعد احتجاجات كبيرة شهدتها إسرائيل العام الماضي.
ورغم تراجع نتنياهو عن قراره الأول بإقالته, إلا أن العلاقات بين الرجلين ظلت متوترة, وازدادت المشاحنات بينهما مع استمرار الحرب في غزة.
وكانت الشائعات قد انتشرت حول قرب مغادرة غالانت لمنصبه, ولكنه رفض الرحيل وظل يواجه نتنياهو, متبنيًا مواقف صلبة فيما يتعلق بعدد من القضايا, أبرزها اتفاق إطلاق سراح الرهائن في غزة والتجنيد الإلزامي لليهود المتزمتين دينيًا في الجيش الإسرائيلي.
في بيان تلفزيوني عقب إقالته يوم الثلاثاء, قال غالانت أن "إسرائيل تسير عبر ضباب المعركة وظلام أخلاقي", داعيًا إلى "إعادة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة, وتقديم مشروع قانون لتجنيد اليهود المتزمتين دينيًا في الجيش الإسرائيلي, وتشكيل لجنة تحقيق في إخفاقات الهجوم الذي تعرضت له إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023".
وأختتم غالانت بيانه بتحية عسكرية, معبرًا عن استعداده للاستمرار في العمل من أجل الأمن القومي الإسرائيلي.
وتأثرت مسيرة غالانت المهنية بشكل كبير بالأحداث التي شهدتها إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023, عندما شنت حركة حماس هجومًا مفاجئًا على بلدات إسرائيلية, ما أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة.
وقد طالب غالانت بإجراء تحقيق في الإخفاقات الأمنية التي سمحت بوقوع الهجوم, كما شدد على ضرورة محاسبة نتنياهو.
غالبًا ما اصطدم غالانت مع الأحزاب المتطرفة المؤيدة للمستوطنين في الحكومة, بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير, ورفض غالانت بشكل قاطع الاقتراحات التي تبناها بن غفير وسموتريتش بضرورة إعادة استيطان غزة بعد الحرب, حيث كان يشدد على ضرورة إيجاد حل طويل الأمد للمسألة الفلسطينية دون أن تصبح إسرائيل قوة احتلال.
وعلى الرغم من تبني غالانت موقفًا متشددًا تجاه حماس في بداية الحرب, حيث وصف أعداء إسرائيل بـ "الحيوانات البشرية", ودعا إلى شن حملة عسكرية واسعة ضد قطاع غزة, إلا أنه مع مرور الوقت أظهر استعدادًا أكبر للتفاوض بشأن إعادة الرهائن, في حين استمر نتنياهو في التركيز على تحقيق نصر عسكري كامل ضد حماس.
وأشار غالانت إلى أن "إسرائيل بحاجة إلى خطة شاملة لإدارة غزة بعد الحرب, وهو ما كان يتناقض مع موقف نتنياهو الذي أصر على تحقيق نصر تام", وكان قد حذر من التصعيد في غزة وطالب بإيجاد حلول للمستقبل في وقت كان فيه بن غفير وسموتريتش يدعمان توسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتواجه كل من الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو, ووزير الدفاع المخلوع غالانت, احتمال إصدار مذكرات اعتقال دولية بحقهما من قبل المحكمة الجنائية الدولية, وذلك على خلفية الحرب في غزة, ويأتي هذا بعد طلب المدعي العام للمحكمة في أيار 2024 بالتحقيق في الجرائم المحتملة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في القطاع.
وفي وقتٍ حرج للغاية بالنسبة لإسرائيل, حيث تخوض حربًا متعددة الجبهات ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان, وتتعرض لضغوط دولية متزايدة, لم يتلقَ قرار إقالة غالانت ترحيبًا واسعًا في إسرائيل, فبعد 35 عامًا من الخدمة العسكرية التي بدأها في وحدة القوات الخاصة البحرية, ثم انتقاله للعمل السياسي, كان غالانت يحظى باحترام كبير في الداخل والخارج, خصوصًا من حلفاء إسرائيل في الولايات المتحدة.
ورغم انه لم يكن مرتاحًا للتدخلات السياسية, إلا أنه كان يظهر دائمًا في مواقف عسكرية حاسمة, ويشعر بالراحة في التفاعل مع الجنود على الخطوط الأمامية.
وانطلقت مسيرة غالانت العسكرية في صفوف وحدة النخبة في البحرية الإسرائيلية, حيث خدم في العديد من المناصب الهامة حتى وصل إلى رتبة جنرال, وبدأ مشواره السياسي قبل 10 سنوات, وأصبح وزيرًا للدفاع في حكومة نتنياهو التي تشكلت في أواخر عام 2022.
وكان غالانت معروفًا بصرامته وتفانيه في تعزيز الأمن القومي الإسرائيلي, مما جعله يحظى بتقدير كبير في الأوساط العسكرية والسياسية.
وأزمة غالانت مع نتنياهو بدأت في منتصف العام 2023 عندما انفصل عن موقف رئيس الوزراء بشأن التعديلات القضائية التي كان يسعى لتنفيذها, والتي كانت تهدد بتقليص صلاحيات المحكمة العليا, وأدى هذا إلى خروج احتجاجات ضخمة في الشوارع ضد الخطوة التي اعتبرها العديد من الإسرائيليين اعتداءً على الديمقراطية.
وكان غالانت من أبرز المعارضين لهذه التعديلات, مما جعله يتعرض لمحاولة إقالة من نتنياهو, وهي المحاولة التي تراجعت الحكومة عنها بعد أن نظم مئات الآلاف من الإسرائيليين احتجاجات ضخمة ضدها.