عندما بدأ النزوح من الضاحية الجنوبية لبيروت وفرُغت المباني من ساكنيها, بدأت ظواهر السرقة في المنطقة, فكانت البداية من قبل أشخاص يعملون بشكل فردي أو ثنائي, من الجنسية اللبنانية والسورية والفلسطينية, يركزون على سرقة الأشياء الثمينة والخفيفة, كالمال والمجوهرات إن وُجدت, وأغراض المنزل التي يمكن حملها ونقلها بسهولة, ولكن مع تقدّم الحرب, وانتشار رقعة القصف والتدمير ظهرت سرقات جديدة في الضاحية تطال البنى التحتية بشكل أساسي, علماً أن هذه البنى التحتية تتعرض للعدوان الإسرائيلي أيضاً.
البنى التحتية المدمّرة
خلال لقاء مع أحد أبناء الضاحية الجنوبية الذي يسكن في منطقة السانت تيريز, بدا الرجل حزيناً لكون العودة لن تكون قريبة, لا بسبب الحرب واستمرارها, ولا بسبب تعرض منزله للتدمير, بل بسبب ما عاينه خلال زيارته الأخيرة إلى منزله.
يقول الرجل في حديث لـ"المدن": "حتى لو توقفت الحرب غداً فإن العودة للسكن في المنزل ستكون مستحيلة, فالقصف الذي تعرض له الحي دمّر كل البنى التحتية في الشوارع, فلا ماء ولا كهرباء ولا هاتف, وأمام المبنى هناك حفرة كبيرة مليئة بالمياه الآسنة, وهذا يدلّ على أن التدمير طال مجاري مياه الصرف الصحّي في المنطقة, وبالتالي فإن العودة تتطلّب أولاً إعادة بناء هذه البنى التحتية, وثانياً إعادة بناء كل المباني التي دُمّرت, وهذا يعني أن عدداً من أحياء الضاحية التي ستشهد ورش إعادة بناء ستكون خالية من السكان حتى في المباني التي لم تُقصف.
سرقة الشقق والأبنية
خُلعت أبواب كثيرة في الضاحية بسبب القصف, وهدّمت أبنية بالكامل, وهذا ما شكّل فرصة لعصابات السرقة لينقضّوا على كل ما يمكن سرقته, وبحسب مصادر ميدانية متابعة فقد برزت في الآونة الأخيرة عصابات تمتهن سرقة البنى التحتية للأبنية والشوارع, وهنا الحديث عن مضخات المياه, ومستلزمات الكهرباء.
تكشف المصادر أنه خلال زيارة بعض السكان لمنازلهم في أحد أحياء الضاحية تم اكتشاف فقدان كل مضخات المياه والأسلاك الكهربائية التي تشغّلها, ووجود حفر تحت الأبنية تبيّن أنها الحفر التي تم منها سحب أسلاك الكهرباء الرئيسية التي تغذي المباني, مشيرة عبر "المدن" إلى أن السرقات طالت في أحد الأحياء غرفة الكهرباء الرئيسية التي تغذي الحي بأكلمه.
وفي التفاصيل بحسب المصادر التي تنقل الرواية عن أصحاب الشقق أن مجموعة كبيرة من الشبان "اللبنانيين" المعروفين من أبناء الحي تقوم بهذه السرقات في الضاحية بوضح النهار, من دون أن يجرؤ أحد على اعتراضها, وتقول: "الأسبوع الماضي وصلت هذه المجموعة إلى الحيّ وبدأت في مرحلة أولى بفك كل مضخات الماء في المجمع السكني, ومستلزماتها, ثم في مرحلة ثانية في اليوم التالي عادوا وقاموا بسحب أسلاك الكهرباء من الغرفة الرئيسية التي تقع في الشارع بعد خلعها, وحفروا في الأرض للغاية نفسها, ثم انتقلوا إلى خلف أحد المباني وأشعلوا النار في الأسلاك, ثم نقلوا النحاس الناتج عن عملية الحرق".
إشكال مسلح
بحسب المصادر فإن جهة حزبية حاولت اعتراض هذه المجموعة في اليوم الثاني وكاد الأمر يتطور إلى إشكال مسلح, لكن الجهة الحزبية انسحبت حقناً للدماء, مشيرة إلى أن في هذا المجمع السكني تم سرقة حوالي 13 شقة سكنية, ومن غير المعروف ما إذا كانت المجموعة نفسها التي قامت بالسرقة أم غيرها.
ببساطة, شهد أبناء الحيّ على سرقة أبنيتهم وكل البنى التحتية التي تغذّي منازلهم بالماء والكهرباء من دون أن يتمكنوا من فعل شيء, فالحرب التي أخلت سكّان الضاحية, أفرغتها من أي وجود أمنيّ, فصارت مكاناً مستباحاً من قبل العدو الإسرائيلي, وعصابات السرقة أيضاً.
محمد علوش_المدن