كتب سامر الحسيني
ما بين المعابر البرية المقطوعة وإحجام شركات المواد الغذائية عن إرسال شاحناتها, يعيش البقاع اللبناني شكلاً من أشكال الحصار, يزيد من وطأة العدوان الإسرائيلي على حياة الناس اليومية, في ظل مخاطر جدية على مستقبل المواسم الزراعية المقبلة, إضافة إلى تلف محاصيله الحالية داخل حقول وسهول وكروم البقاع, وعجزه عن تحضير أرضه وحقوله للمواسم المقبلة, مما يهدّد أمن المنطقة الغذائي والزراعي.
اعتاد مزارعو ومصدّرو البقاع في لبنان أن يصدّروا في مثل هذه الأيام أكثر من 100 شاحنة محمّلة بالبطاطا والعنب والموز والحمضيات. لكن يبدو حالياً المشهد قاتماً في آليات التصدير والاستيراد في منطقة المصنع الحدودية الفارغة تماماً سوى من عدد قليل من الشاحنات المحتجزة في ساحات التصدير, من جراء الاستهداف للطريق الدولية في منطقة المصنع الحدودية.
قبل يوم واحد من بداية العدوان الواسع على لبنان, اتفق محمد سفر مع أحد التجار على ضمان كرم العنب الذي يملكه في أعالي بدنايل وبمبلغ يصل إلى 30 ألف دولار. حتى اليوم لا يزال سفر ينتظر التاجر الذي عاد وأحجم عن الشراء, وهو العاجز أساساً عن الوصول إلى الكرم الذي تحوّل مع الجرود في بدنايل إلى هدف عسكري حال دون توجّه المزارعين إلى حقولهم وكرومهم.
صبيحة كلّ يوم, يتأمّل سفر بأسى إنتاج كرمه من العنب الذي تحوّل إلى وجبات غذائية للطيور والدبابير والحشرات, فالعناية الزراعية معدومة والقطاف لن يأتي بسعر الكلفة. فكلّ السلع الزراعية تعرّضت لكوارث, يقول رئيس تجمّع مزارعي وفلّاحي البقاع إبراهيم الترشيشي للميادين نت, مشيراً إلى أنّ القطاع الزراعي في أسوأ أيامه, فالتصدير معدوم وكل العاملين في المحاصيل الزراعية من العناية إلى التعشيب ورشّ المبيدات وصولاً إلى القلع والقطاف نزحوا عن أراضيهم بسبب القصف. ويؤكد أن ضرب المعابر في البقاع ضربة اقتصادية غير مسبوقة.
وبحسب الترشيشي, فإن "معابر البقاع البرية هي التي نعوّل عليها لتصدير أرزاقنا مع إنتاجات الجنوب وحتى الشمال. ولا يمكن المخاطرة بإرسال الشاحنات الزراعية من البقاع إلى الشمال, وإن وصلت سالمة فدونها كلفة إضافية مما سيعدم الإفادة من التصدير". ويتصدّر العنب والتفاح قائمة المنتجات الزراعية المتضرّرة, يضاف إليها الحشائش والخضار من البندورة والخيار والقرنبيط والبصل والملفوف.
"من يريد سلعنا يأتي إلى بيروت"
بالإضافة إلى الواقع الزراعي المرير, يشير أحد تجار المواد الغذائية في البقاع إلى إحجام شركات المواد الغذائية والحبوب عن إرسال أي شاحنات إلى منطقة البقاع التي تُصنّف منطقة خطرة.
هذا الإحجام, بحسب التاجر, أدى إلى ارتفاع الكلفة من خلال اضطرار التجار إلى إرسال شاحناتهم وتعبئتها من مخازن بيروت والدفع بشكل نقدي. ولم تكتفِ بعض الشركات بإلزام التجار البقاعيين بالشراء من مستودعاتها في بيروت, بل عمدت إلى رفع أسعارها بنسبة 5%, إضافة إلى إلغاء العروض على المشتريات التي كانت تشكّل أيضاً ما نسبته 5%, وهي تصنّف من أهم الشركات المستوردة للحبوب والمواد الغذائية. والملفت أن بعض هذه الشركات والمصانع موجودة في البقاع, إلا أنها استغلّت هذه الحرب وغياب وزارة الاقتصاد عن التحرّك, وتعمل وفق مصالحها الخاصة والمالية, من دون أيّ رادع.
ويطالب التاجر الذي رفض الإفصاح عن اسمه, وزارة الاقتصاد بالتحرّك باتجاه الشركات المستوردة وضبطها, وإلزامها بالتوقّف عن طمعها واحتكارها للمواد الغذائية, علماً أن الاستيراد من البحر لم يتأثّر حتى اليوم.
سلع زراعية تتكدّس
لم يؤدِ تراجع الإنتاج إلى ارتفاع الأسعار, يقول أحد تجار سوق قبّ الياس, الذي تحوّل إلى مستودع كبير لتدفّق السلع الزراعية إليه دون سواه مع إقفال أسواق الجنوب والنبطية. لكن المبيع تراجع في سوق قبّ الياس بحدود 60%, والسبب خسارة زبائن الجنوب والبقاع الشمالي وقسم من الأوسط, ناهيك عن تراجع الحركة في بقية المناطق لخطورة التنقّل على الطرقات الرئيسية.
ويلفت ربيع مرهج, أحد أصحاب التعاونيات الزراعية في السوق إلى أن إقفال المؤسسات السياحية أدى إلى تراجع كبير في الطلب على الخضار والفاكهة والحشائش, وكانت هذه المؤسسات تشكّل نحو 60% من حركة المبيع, كما أن حفلات الأعراس ووداع الصيف التي ألغيت كان لها أيضاً التأثير السلبي على حركة المبيع.
في الخلاصة, يتشارك أكثر العمال والمسؤولين في القطاع الزراعي التأثّر بتداعيات الحرب واستهداف المعابر, ولا سيما أن الأزمة قابلة للتمدّد, فالتداعيات لن تنحصر في الموسم الحالي إنما ستطال المواسم المقبلة, في ظلّ مخاوف التجار من استيراد البذار والأدوية الزراعية والأسمدة, وعدم استطاعة المزارعين أن يحضّروا أراضيهم وحقولهم الزراعية.