يعاني النازحون إلى مساكن الأقارب أو المساكن المستأجرة, من ارتفاع كلفة الحصول على مياه الخدمة وسط انقطاع في التغذية يعود إلى الشحّ السنوي والطلب الهائل المسجّل في بيروت وجبل لبنان, حيث وفد إلى هذه المناطق العدد الأكبر من النازحين.
وسط محدودية القدرات المؤسساتية والموارد المائية, تخوض الأسر النازحة يومياً معركة تأمين الكمية اللازمة من المياه للخدمة. ففيما استقر 20% من النازحين في مراكز الإيواء, فإن القسم الأكبر من النسبة الباقية استقرّت في مساكن الأقارب أو في مساكن مستأجرة, وهؤلاء يجدون صعوبة في الحصول على المياه بشكل منتظم في ظل التقنين الناتج من شحّ المياه ومن الضغط على الشبكة العامة. لذا, يلجأ هؤلاء إلى شراء المياه من "التجّار" أو "الصهاريج". لكن ضغط الطلب على شراء المياه بات يتطلّب جهداً ومالاً وصبراً طويلاً في انتظار "الدور". فالطلب على المياه "تضاعف ثلاث مرات نتيجة النزوح" بحسب المدير العام لمؤسّسة مياه بيروت وجبل لبنان, جان جبران. يوضح أن قدرة المؤسسة على ضخّ الكميات, انخفضت من 270 ألف متر مكعب يومياً في السابق إلى نحو 110 آلاف متر مكعب حالياً "بسبب الشحّ". ورغم الاعتماد على "آبار الطوارئ وتشغيل المضخّات على مدار 16 ساعة يومياً, فإن ذلك لم يكن كافياً لتلبية كل الاحتياجات, خصوصاً في مراكز الإيواء التي تعتمد بشكل رئيسي على صهاريج المياه".
هكذا يلجأ السكان مضطرين إلى "الصهاريج". هي ظاهرة معروفة في لبنان, إنما الآن هي "تجارة رابحة". كلفة الصهريج الواحد سعة 10 براميل مياه, تبلغ 15 دولاراً وفقاً لزينب, وهي نازحة مقيمة في الحمرا. وهذا السعر مرتبط بالتفريغ في الطابق الأرضي, وكلما زادت الطوابق ارتفع السعر.
في "سوق الروشة" تحاول الأسر النازحة تقاسم كلفة الصهريج لتوزيع الكلفة. يشترون الصهريج مرة أو مرتين أسبوعياً, ولكنه نظام لا يخلو من التوترات المرتبطة بالاستهلاك. وفي البسطة التحتا, فإن السكان يشيرون إلى أن أزمة المياه هناك لم تسجّل منذ أكثر من ثلاثة عقود. والأمر نفسه ينطبق على سكان مار الياس وطريق الجديدة أيضاً حيث يتقاسم أبناء المنطقة مع النازحين الكميات القليلة التي تضخّ عبر شبكة الدولة لمدة لا تزيد عن ثلاثة أيام في الأسبوع, وفي كل يوم ما بين 4 ساعات و5 ساعات, أي إن الذي تصله المياه أولاً يكون محظوظاً. وليس في مقدور الجميع تركيب خزان أكبر, أو تحمّل كلفته, ولكنهم باتوا رهائن يقعون تحت رحمة مالكي صهاريج المياه أو مولدات الكهرباء.
هكذا, تنعدم الخيارات وتزدحم "المساومة" على حصّة من المياه, وصار مالك الصهريج جزءاً من أزمة العرض والطلب رغم أنه يحصل على المياه من الآبار التي تسحب المياه الجوفية. المياه موجودة, لكن غياب "الدولة" يجعلها سلعة يتاجر فيها مالك صهريج لديه مصلحة في بيع الحمولة كلّها ضربة واحدة (50 برميلاً) بـ 60 دولاراً بدلاً من توزيعها على مجموعة واسعة من السكان بالإيراد نفسه.
أسماء إسماعيل - الاخبار