أثار الحديث الأخير لرئيس الحزب "التقدّمي الإشتراكي" السابق وليد جنبلاط لـ "روسيا اليوم" في ما يتعلّق بما قاله بأنّه "آن الأوان للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تعلم أنّ هناك دولة في لبنان", مجموعة من ردود الفعل داخل لبنان وخارجه. وجاء هذا بعد استنكار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي منذ عشرة أيّام تصريحات إيرانية عن استعداد طهران للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق القرار الأممي 1701, معتبراً ذلك تدخّلاً في الشأن اللبناني, وطالباً استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بيروت.
ويجد المؤيّدون لمواقف جنبلاط أنّ كلامه هو بمثابة "نداء تنبيه ضروري للشعب اللبناني حول مخاطر النفوذ الخارجي على لبنان". في حين يرى المنتقدون أنّ موقفه هذا قد يؤدّي الى تفاقم التوترّات الداخلية مع حزب الله ومؤيّديه, والذي يستكمل عناصره المعركة البريّة مع "الإسرائيلي" بكلّ شراسة, وتقوم بتحقيق الإنجازات في الميدان.
مصادر سياسية مطّلعة أوضحت أنّ ثمّة أمورا عدّة لا بدّ من وضع النقاط على حروفها, وهي:
1ـ يعبّر جنبلاط عن مخاوفه الطويلة الأمد بشأن تأثير القوى الخارجية على الشؤون اللبنانية. ولا تُعتبر تصريحاته انعكاساً لرأيه الشخصي فحسب, بل هي تعبّر أيضاً عن آراء العديد من اللبنانيين, الذين باتوا اليوم يشعرون بالقلق من الهيمنة الخارجية على البلد. ولهذا يتحدّث عن أنّ الدولة في لبنان هي التي تُقرّر مصيره إنطلاقاً من مصلحة لبنان العليا, ورفضاً لأي تدخّل خارجي في الشؤون اللبنانية, لا سيما في هذه المرحلة بالذات التي يعيش فيها حرباً مدمّرة عليه.
2ـ يرتكز كلام جنبلاط على بيان عين التينة الذي كان واضحاً لجهة وقف إطلاق النار, وعدم ربط جبهة غزّة بجبهة لبنان, والذهاب نحو انتخابات رئاسية. كما أنّ موقف لبنان الرسمي هو تطبيق القرار 1701, وهذا القرار يعطي الدولة مهمّة السيطرة على أراضيها, من خلال نشر الجيش في المنطقة الجنوبية الحدودية, وهو أمر جرى التوافق عليه... ومن ثمّ وبعد انتخاب رئيس الجمهورية تتمّ مناقشة الاستراتيجية الدفاعية على طاولة الحوار, لحلّ مسألة سلاح حزب الله (أي تطبيق القرار 1559). علماً بأنّ الحزب طالما تحدّث عن جهوزيته لمناقشة سلاحه على الطاولة.
3ـ يجد جنبلاط أنّ تنامي النفوذ الإيراني في لبنان من شأنه تقويض سيادة لبنان وتعقيد المشهد السياسي الهش بالفعل, لا سيما في المرحلة الراهنة. ويرى أن الشعب اللبناني يجب أن يستعيد سلطته ويقاوم الضغوط الخارجية التي تسعى إلى إملاء مستقبله.
4ـ وفي ما خصّ دور حزب الله المستقبلي, يدعو جنبلاط إلى إعادة تقييم موقف حزب الله داخل النظام السياسي اللبناني, داعياً إلى اتباع نهج أكثر توازناً يعطي الأولوية للمصالح الوطنية على الولاءات الطائفية أو الخارجية.
5ـ يجد بأنّ ثمّة حاجة الى الوحدة, لهذا يدعو إلى الوحدة الوطنية بين مختلف الأحزاب داخل لبنان. ويُشدّد على أهمية الحوار والتعاون بين مختلف القوى السياسية لمعالجة القضايا الملحّة التي تواجه البلاد, بما في ذلك عدم الاستقرار الاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية. ولهذا يُحذّر من أن الانقسام لن يؤدي إلا إلى تعزيز التأثيرات الخارجية.
6ـ تتمثّل رؤية جنبلاط للبنان في المستقبل بأنّ يكون خاليا من أي تدخّل أجنبي, داعياً إلى العودة إلى دولة أكثر استقلالاً وسيادة. ودعا الشعب اللبناني إلى الانخراط في جهد جماعي لإعادة بناء وطنه, مشدداً على الحاجة إلى إطار سياسي يعكس الأصوات المتنوعة للسكان.
وترى المصادر نفسها بأنّ كلام جنبلاط قد يدفع الى تغيير التحالفات, أو الى إعادة تقييمها بين مختلف القوى السياسية. وقد تجد بعض المجموعات أرضية مشتركة مع دعوة جنبلاط إلى الوحدة الوطنية والسيادة, في حين قد تشعر مجموعات أخرى, ولا سيما تلك المتحالفة مع حزب الله, بالتهديد بسبب انتقاداته. وقد يؤدي ذلك إلى إعادة اصطفاف القوى السياسية فيما تقيم الأحزاب مواقفها على ضوء تأكيدات جنبلاط.
كما أنّ كلامه يعكس أيضاً ديناميكيات إقليمية أوسع, ولا سيما التوتّرات المستمرّة بين إيران وخصومها في الشرق الأوسط. وقد يتوافق انتقاد جنبلاط مع مصالح دول أخرى, ما قد يؤدي لاحقاً إلى زيادة الدعم الخارجي للقوى اللبنانية التي تتقاسم رؤية جنبلاط.
ويُمكن القول بأنّ كلام جنبلاط الأخير, وفق المصادر قد يكون بمثابة فحص نقدي للتفاعل بين إيران وحزب الله والنظام السياسي اللبناني. ومن خلال التعبير عن المخاوف بشأن النفوذ الأجنبي والدعوة إلى الوحدة الوطنية, وضع جنبلاط نفسه كصوت للسيادة والاستقلال في بلد يتصارع مع تحديات داخلية وخارجية معقدة. وبينما يواصل لبنان التنقل في مشهده السياسي المضطرب, قد تلعب مواقف جنبلاط دوراً محورياً في تشكيل الخطاب المستقبلي. وعليه, فقد تكشف الأشهر المقبلة ما إذا كانت دعوته إلى الوحدة وإعادة تقييم دور حزب الله سوف تجد صدى لدى الشعب اللبناني الأوسع وتؤدي إلى تغيير سياسي حقيقي أم العكس.
دوللي بشعلاني - الديار