بعد ايام على شد عصب التصعيد والتلاعب على اعصاب العالم بالتهويل والوعد والوعيد جاء الرد الإسرائيلي على ايران مضبوط جداً ومحدود للغاية, فمن حيث الشكل, التزامُ تل ابيب بالسقوف التي حددتها لها الولايات المتحدة للرد, قد يكون اول مؤشر ايجابي الى ان الامور ليست ذاهبة نحو حرب شاملة في المنطقة وذلك بعد فترة من حبس الانفاس خوفا من ضربة اسرائيلية "مجنونة".
فلقد نفذت تل ابيب فجر اليوم ردها على الجمهورية الاسلامية, وأعلنت هيئة البث الاسرائيلية إنتهاء الهجوم بعد شن ثلاث موجات من الضربات. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه ضرب بطاريات صواريخ أرض-جو وأنظمة جوية أخرى في إيران. وأضاف "إذا بدأت إيران جولة جديدة من التصعيد فسوف نكون ملزمين بالرد عليها". وأكد أن الهجوم على ايران حقق جميع أهدافه, موضحا أن الرد على إيران انتهى والمقاتلات عادت لقواعدها بسلام. ولفت إلى أن الأهداف شملت منشآت تصنيع الصواريخ التي استخدمت ضدنا. وأفاد الإعلام الإسرائيلي بأنه تم استهداف نحو 20 هدفا وموقعا في إيران. وذكر موقع أكسيوس أن الموجتين الثانية والثالثة على إيران ركزتا على قواعد صواريخ ومسيرات.
ان هذا الرد الاسرائيلي "المضبوط" والمنطقي, والذي قيل ان ايران أُبلغت مسبقا به, يشكّل ايضا اول دليل على ان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو قد يكون تخلّى عن ورقة جر الشرق الاوسط برمّته الى النار. اما المواقف الايرانية الاولى بعد الضربة, فبدورها, حملت مؤشرات الى ان طهران ستمتص ما حصل ولن تذهب نحو رد على الرد.
ونقلت واشنطن بوست عن مسؤولين إسرائيليين قولهم انهم يأملون أن يؤدي الرد المدروس إلى وضع حد للردود المتبادلة. ونقلت فوكس نيوز عن مصدر عسكري إسرائيلي قوله ان محادثات متعددة جرت بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وأبلغت واشنطن بوقت الهجوم على إيران. ونقلت رويترز عن مسؤول كبير في إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن قوله إن ما حصل يجب أن يكون نهاية تبادل النار بين إسرائيل وإيران.
واعتبر البيت الأبيض أن رد إسرائيل على إيران كان متناسبا مع طلبنا.
في المقابل, أعلنت إيران أن دفاعاتها الجوية تصدت للهجمات الإسرائيلية, لكن "أضرارا محدودة" وقعت في بعض المواقع, قبل ان يعلن الجيش الإيراني مقتل اثنين من مقاتليه في الهجمات الإسرائيلية الليلة الماضية. وقال الدفاع الجوي الإيراني في بيان إن إسرائيل "هاجمت أهدافا في محافظات طهران وخوزستان وإيلام". كما قللت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية من تأثير الهجوم الانتقامي الإسرائيلي على إيران, ووصفته بأنه "غير ضار".
وبينما دعت الدول العربية والعواصم الكبرى كلها الى ضبط النفس ودانت انتهاك اسرائيل سيادة ايران, اتجهت الانظار الى انعكاسات شكل الرد الاسرائيلي وحجمه معطوفا الى كيفية تعاطي طهران معه, على مسار الامور في المنطقة وتحديدا في لبنان. ووفق ما تقول مصادر دبلوماسية, فإن عودة المبعوث الاميركي اموس هوكشتاين في الساعات المقبلة الى المنطقة, اذا حصلت, ومضمون محادثاته في تل ابيب, قد يشكلان مؤشرا الى توجهات الجانب الاسرائيلي, علما ان الخارجية الأميركية اعلنت اليوم ان وزيرها انتوني بلينكن بحث مع نظيره البريطاني في مساعي الحل الدبلوماسي في لبنان.
في الاثناء, استمرت المواجهات على الحدود, واستمر القصف الاسرائيلي للجنوب حيث استخدم الجيش الاسرائيلي قنابل ارتجاجية لتفجير منازل ومنشآت, والضاحية الجنوبية والبقاع. كما نفّذ حزب الله سلسلة عمليات ضد اهداف وتجمعات عسكرية اسرائيلية. وبعد معلومات عن اخلاء اليونيفيل مواقعها في الضهيرة, اوضح الناطق باسمها أندريا تيننتي على أن "جنود حفظ السلام يواصلون عملهم الأساسي المتمثل في مراقبة ما يحدث على الأرض ورفع التقارير رغم التحديات". وقال: لا زلنا في كل مواقعنا, ونعني بذلك كل موقع من هذه المواقع.
وفي المواكبة السياسية للتطورات, اجتمع وفد من قوى المعارضة يضم النواب فؤاد مخزومي, ميشال معوض, سليم الصايغ وميشال الدويهي, بالمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس - بلاسخارت. وبحثوا في الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة, وآخر التطورات المتعلقة بالحرب في لبنان. وأكد المجتمعون خلال اللقاء "ضرورة وضع حد للحرب وتطبيق القرارات الدولية وفي مقدمها القرار 1701 بكافة مندرجاته, بما يتضمن القرارين 1559 و1680, والالتزام بتطبيق اتفاق الطائف الذي يعتبر المرجعية الدستورية لجميع هذه القرارات الدولية التي تصب في مصلحة منطق الدولة وسيادتها", مشددين على أن "المطلوب اليوم هو استعادة القرار السيادي, واحتكار الدولة للسلاح والقرار الاستراتيجي, ونشر الجيش اللبناني على طول الخط الأزرق وعلى كامل الحدود اللبنانية". وشدد النواب على "ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية, وعدم ربط الاستحقاق الرئاسي بأي ملف آخر, لأن إنهاء الحرب في لبنان واستعادة الأمن والاستقرار يحتاجان إلى من يمثل الشرعية من رئيس جمهورية إلى حكومة حائزة على ثقة المجلس, كما يحتاج إلى مؤسسات منتجة وفعالة".
من جانبه, وغداة استشهاد 3 صحافيين باستهداف اسرائيلي مباشر لهم, أعلن وزير الاعلام في حكومة تصريف الاعمال زياد المكاري ان "الإعلام شريك أساسي في الحرب ويواجه الاعلاميون اليوم صعوبات عدة ويعرضون حياتهم للخطر لنقل الحقيقة". وقال "ان الوزارة ستبدأ بتكذيب كل خبر زائف وأنه سيكون هناك منصة لذلك". وشدد المكاري في خلال مؤتمر صحفي, على أن وزارة الاعلام ليست مسؤولة عن الرقابة العقابية, لافتا الى أنها لن تكون شرطيًا وأن "مسؤولياتنا مسؤوليات وطنية". وقال: لبنان للأسف لم يوقع إتفاقية روما كي نستطيع الذهاب إلى المحاكم الجنائية الدولية ونحاول إيجاد نافذة لتقديم شكوى ضد إسرائيل. ولفت الى أن "هناك اتصالات مع الاجهزة الامنية لرصد كل من يوتّر الاجواء ويهدد السلم الاهلي". وقال "هناك فوضى عارمة ونحن أمام رسالة واحدة إما أن نبني وطننا وإما أن نخربه".