تنطبق الأهداف التي صاغتها منظمة اليونسكو لدعم وزارة التربية في "خطة الاستجابة الطارئة للتعليم" على حالات السلم والاستقرار, لا على حالات الحرب الوحشية, وتنصّ على ضمان الوصول إلى فرص تعلّم شاملة وذات جودة للطلاب المتضررين من الأزمات, وأن يوفر العاملون في مجال التعليم تعليماً ذا جودة لتحسين التعلم, وأن تكون أنظمة التعليم قادرة على الاستجابة للأزمات وتتمتّع بالمرونة.
وفيما يبدو أن وجهة الوزارة, من خلال الإحصاءات التي نشرتها, هي بصورة أساسية للعودة الحضورية في التعليم الرسمي, ابتداءً من 4 تشرين الثاني المقبل, فإن معاينة الظروف على أرض الواقع والقدرة الاستيعابية للمدارس غير المعتمدة كمراكز إيواء تشير إلى أن الوزارة تفكر "خارج الصحن", باعتبار أن التعليم الكلاسيكي بأشكاله المختلفة (حضورياً وعن بعد ومدمج) غير ممكن حالياً. فـ"التخبيص" واضح, والمناهج النظامية غير معدّة للتعليم الرقمي, والإنترنت والتجهيزات غير متوفرة لدى القسم الأكبر من المتعلمين في القطاع الرسمي. لذا, ثمة اقتناع لدى المعلمين بأن وزارة التربية تريد أن تسيّر العام الدراسي, كيفما اتفق بالتكافل والتضامن مع روابط التعليم وبعض الأحزاب السياسية التي لا تجاهر بغياب المقوّمات لمتابعة التعليم.
بالأرقام, تقول الوزارة في لائحة بياناتها إن هناك 310 مدارس رسمية غير مستخدمة كمراكز إيواء, موجودة في مناطق آمنة أو غير متأثرة بالأزمة. لكن, كيف تُحدّد المناطق "الآمنة" إذا كانت الاعتداءات تكاد تطاول كل لبنان, وقسم من هذه المدارس قد يقع في مناطق خطرة أو أن الطريق إليها غير آمن؟ كذلك تشير إلى أنه سيتم تجهيز 50 مركزاً من هذه المدارس للتعليم عن بعد, بتمويل من اليونيسف, مع تأمين خدمة الإنترنت للتلامذة, لكن أي شيء من هذا لم ينجز قبل أسبوع من الموعد المحدد لبداية العام الدراسي.
على خط مواز, تتصرف وزارة التربية كأنها مسؤولة فقط عن تعليم نحو 300 ألف تلميذ في التعليم الرسمي, فيما هي مسؤولة عن تعليم نحو 400 ألف تلميذ نازح في المدارس الخاصة, ونحو 40 ألف تلميذ في التعليم المهني موجودين في أماكن خطرة, و110 آلاف تلميذ سوري, ما عدا تلامذة الأونروا, أي أكثر من مليون تلميذ, في حين أن عدد التلامذة الذين يتمكنون من الوصول إلى التعليم حالياً لا يتجاوز 250 ألفاً.
وفي استبيان أجرته روابط التعليم لاستطلاع رأي النازحين من بيوتهم بسبب العدوان الإسرائيلي, شارك فيه 1548 أستاذ تعليم ثانوي, رفض 88 في المئة منهم قرار الإلحاق بثانويات جديدة في مناطق النزوح, وطالب 60 في المئة من الأساتذة بتأجيل انطلاق العام الدراسي, فيما وافق 40 في المئة على التعليم "أونلاين" بعد تأمين مستلزمات التعليم. وشارك في استبيان فرع البقاع لرابطة التعليم الأساسي 2601 معلم, رفض 86 في المئة منهم قرار الإلحاق بالمدارس الجديدة, وطالب 43 في المئة بتأجيل انطلاقة العام الدراسي وناشد 37 في المئة تأمين مقوّمات التعليم عن بعد.
ورغم إعلان الوزارة أن عدد التلامذة الذين تسجلوا حتى الآن فاق الـ 110 آلاف و60 ألف معلم, فإن الضياع لا يزال يسود أوساط الأهالي والمعلمين. إذ إن قسماً كبيراً من النازحين منشغل بهمومه الشخصية, وقسماً آخر لا يملك أدنى الأدوات والمقوّمات للتعليم. وثمة غموض في قرارات المسؤولين في وزارة التربية. فمن جهة, يقترح مدير التعليم الابتدائي جورج داود توزيع المعلمين على المدارس غير المعتمدة كمراكز إيواء بدوام قبل الظهر وبعده, فيما طلب قرار الوزير من المعلمين أن يسجلوا أسماءهم في المراكز المعتمدة وغير المعتمدة كمراكز إيواء. في المقابل, يشير مدير التعليم الثانوي خالد الفايد مثلاً إلى أن الطلب من الأساتذة النازحين الحضور إلى أقرب ثانوية أو مدرسة رسمية هو فقط لكي يسجل معلوماته على برنامج التسجيل الإلكتروني ولكي يصار لاحقاً, بعد اكتمال مراحل الخطة إلى إلحاقه بمركز عمل تحدده وزارة التربية حصراً, أي أن المرحلة الآن هي مرحلة جمع داتا التلامذة والأساتذة فقط. وهذا التخبط أثار أكثر من سؤال في أوساط المعلمين: هل يسجل الأستاذ اسمه كإحصاء أو إلحاق؟ وهل من يسجّل اسمه يجب أن يداوم؟ وماذا عن الأساتذة الذين لا يزالون في قراهم أو هاجروا إلى الخارج؟ وهل هناك توجّه لدى الوزارة للتعليم "أونلاين" في المناطق الخطرة مثل بعلبك والهرمل والجنوب والضاحية الجنوبية؟ وأين يلتحق الأستاذ الذي يغيّر منزله باستمرار؟ وكيف ينتقل التلامذة إلى المناطق الآمنة, ومن يدفع بدل النقل؟ وماذا لو كانت الطرقات غير آمنة؟ وكيف ستتعامل الوزارة مع آلاف الأساتذة الذين لم يشاركوا في الإحصاء الذي تجريه؟
مقرر فرع البقاع في رابطة التعليم الأساسي الرسمي, نبيل عقيل, طالب بتأجيل العام الدراسي ريثما تتّضح خطة وزارة التربية, وريثما تعقد الروابط اجتماعاً مع وزير التربية لإطلاعه على كل هواجس المعلمين. وأكد عقيل أهمية أن يسجل كل تلميذ في مدرسته, وأن يكون التعليم "أونلاين" أو غير متزامن نظراً إلى خطورة التنقل على الطرقات.
ووصف رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي, حيدر إسماعيل, الخطة بـ"الضبابية والوهمية والتنظيرية وليس لها أيّ أثر تطبيقي, لكونها غير متكاملة, إذ تعطي الأولوية للتعليم الحضوري غير الممكن في الحرب". وسأل: "من قال لهم إن جميع الأساتذة جاهزون ليدرّسوا بعد الظهر؟ هل أخذوا رأيهم في هذا التدبير؟", محذّراً من ربط بدل الإنتاجية بالحضور.
فاتن الحاج – الاخبار