لا يستبعد مصدر ديبلوماسي رفيع أن يحاول الإسرائيليون الوصول أقله بالنار والتدمير التهجير إلى شمال نهر الليطاني وبالتحديد إلى حدود مدينة صيدا.
تتقاطع المعلومات والتقديرات الديبلوماسية الغربية في بيروت على توقع استمرار الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" لأسابيع عدة مقبلة. ومن بين المصادر الديبلوماسية واحدة رفيعة المستوى في بيروت, تعتبر أن الحرب ستطول لعدة أشهر, إلى حين تتمكن القوات الإسرائيلية من تدمير البنية العسكرية والأمنية لـ"حزب الله" في لبنان. لكن تعتبر المصادر عينها أن "حزب الله" يمكن أن يجهض خطة إسرائيل في حال أعلن عن وقف لإطلاق النار من جانب واحد, مقروناً بانسحاب شامل من جنوبي نهر الليطاني أو وصولاً إلى نهر الأولي, أسوة بالخط التاريخي الذي رسم عام 1976 الحد الفاصل بين النفوذين السوري والإسرائيلي, ودام إذا ما استثنينا فاصلاً بين الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وعودة سوريا إلى الانتشار في كل لبنان عام 1985, أكثر من ثلاثة عقود متتالية من دون أن يلقى أي عثرات كبيرة.
من هنا, ومع أن الجانب الإسرائيلي يتحدث عن مبدأ تأمين عودة سكان الشمال فإنه يبدو أن الخطوط الفاصلة بين نفوذين أو لنقل مديين حيويين في لبنان تقع عند جانبي نهر الأولي في المدخل الشمالي لمدينة صيدا, مروراً بقضاء جزين, نزولاً إلى قضاء حاصبيا حتى حدود البقاع الغربي. ولذلك لا يستبعد المصدر الديبلوماسي الرفيع أن يحاول الإسرائيليون الوصول أقله بالنار والتدمير والتهجير إلى شمال نهر الليطاني وبالتحديد إلى حدود مدينة صيدا.
طبعاً ثمة بون شاسع بين نية إسرائيل في الوصول إلى نقطة معينة وبين الدفاع المستميت الذي سيقوم به مسلحو "حزب الله". فالقتال البري صعب على الجيش الإسرائيلي, وهو يمثل هدية على حد ما قال الأمين العام السابق للحزب في آخر خطاب له قبل اغتياله. هذا الأمر يدركه الجيش الإسرائيلي لأنه من البديهيات. لكن الاحتلال هذه المرة قد لا يكون عبر نشر الجنود, وإنما عبر السيطرة النارية على كل المنطقة, من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف: الأول تطبيق سياسة الأرض المحروقة والطاردة للحياة. والثانية منع عودة النازحين بالنار, بطرد مقومات الحياة في حدودها الدنيا. والثالثة, ممارسة أعلى درجات الضغط غير المباشر في الداخل اللبناني من خلال مواصلة الضربات على البنى العسكرية لـ"حزب الله" فضلاً عن قتل قيادات الصفين الثاني والثالث من العسكر. ورابعاً, زيادة منسوب الضغط على المعادلة اللبنانية الداخلية عبر إطالة أمد النزوح الداخلي الذي سيتحول إلى هجرة طويلة الأمد تؤسس لارتفاع منسوب التوترات الداخلية في صميم المجتمع اللبناني المتنوع. خامساً, زيادة مستوى الخسائر التي يمنى بها الجهاز العسكري – الأمني في "حزب الله", وبالتالي تقويض أكبر للنفوذ الإيراني الذي يستند بجانب كبير منه إلى قوة الحزب المذكور. أما الهدف الخامس, فيتمثل بإحداث تغيير سياسي كبير في لبنان, مع تراجع قوة "حزب الله" بعد خروجه من مناطق نفوذه في الجنوب, وتدمير القاعدة الاقتصادية والمالية والحياتية للبيئة الحاضنة للحزب.
هذه أهداف كبيرة ستواجهها إيران بأقصى ما تملك من قوة بمحاولة إنقاذ "حزب الله" من التدمير التام لقوته العسكرية, لأن تحقيق الأمر سيضرب وظيفته الإقليمية والدولية التي ينفذها تحت مظلة "الحرس الثوري" الإيراني, وبالتحديد "فيلق القدس". وفي الاستراتيجية الإيرانية يعتبر لبنان الواقع لغاية أسابيع قليلة ماضية تحت سيطرة "حزب الله" شبه التامة, الطبقة الأولى للأسوار الحامية للنظام في المنطقة. ومن هنا خطورة التفكير في احتمال انهيار "حزب الله" كلياً في الحرب الحالية. لأن انهياره إن حصل سيعمم مناخاً يؤشر إلى تراجع السياسة التوسعية الإيرانية, وبداية انكفائها إلى الخلف.
وللدلالة على ما نقول فإن الحرب التدميرية لـ"حزب الله" التي بلغت ذروتها مع اغتيال الأمين العام السابق السيد حسن نصرالله, لم تُواجَه كما كان يشاع من قبل إيران أو أذرعها الأخرى في المنطقة بأي رد فعل غير متوقع من شأنه أن يقلب "الطاولة" الإقليمية على إسرائيل والولايات المتحدة. فلا إيران تورطت في حرب من أجل الحزب وأمينه العام, ولا الفصائل العراقية المرتبطة بالنفوذ الإيراني تحت مسمى "الحشد الشعبي" تحركت جدياً, ولا حتى جماعة الحوثي في اليمن تخطت عقدة الخوف من استهداف إسرائيل جدياً بعد ضربة ميناء الحديدة, والأهم بعد الضربة الأميركية في صعدة معقل الجماعة بواسطة القاذفة الاستراتيجية "بي-2" (سبيريت) التي انطلقت من ولاية ميسوري الأميركية وطارت أكثر من 10 آلاف كلم لتنفيذ مهمتها في صعدة وصنعاء. بهذا المعنى, ستكون الحرب طويلة لا بل طويلة جداً.
علي حمادة - النهار