أجمع خبراء فرنسيون على أن باريس تفتقد النفوذ الكافي للعب دور الوسيط بين إسرائيل وحزب الله في لبنان, مشيرين إلى أنها تواجه قيودًا كبيرة في محاولتها التأثير على الصراع.
وأشاروا إلى أن الحديث عن وساطة فرنسية, رغم أهميتها, تحتاج إلى تنسيق دولي واسع لتكون هذه الوساطة فعالة.
وكانت ترددت أنباء عن دعوة رئيس البرلمان الإيراني, محمد باقر قاليباف, للتعاون مع فرنسا في وساطة محتملة في لبنان.
وقد استهجن رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي التصريحات المنسوبة لقاليباف, بشأن تفاوض إيران مع فرنسا بخصوص القرار 1701 المتعلق بلبنان, فيما نفى البرلمان الإيراني لاحقا ما نُسب إلى رئيسه, مؤكدا أن طهران تدعم كل ما توافق عليه "الحكومة والمقاومة" في لبنان.
تحديات
ويرى عدد من المحللين الفرنسيين المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط أن هذه المبادرة الفرنسية تواجه عدة تحديات.
وقال نائب مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والاستراتيجية, الخبير في شؤون الشرق الأوسط ديدييه بيليون لـ"إرم نيوز", إنه على الرغم من محاولات فرنسا المتكررة للعب دور الوسيط في المنطقة, فإنها تفتقر للنفوذ الكافي للتأثير المباشر على الصراع بين إسرائيل وحزب الله.
واعتبر الخبير السياسي الفرنسي أن الحديث عن استعداد قاليباف للوساطة خطوة إيجابية تشير إلى رغبة إيران في التهدئة, ولكن تبقى التساؤلات حول مدى جدية هذا العرض, ومدى استعداد الأطراف الأخرى للتجاوب معه.
وأشار بيليون إلى أن باريس تحاول دائمًا أن توازن بين علاقاتها مع الدول العربية وإسرائيل, مما يجعلها في موقع جيد للدعوة إلى الحوار.
مع ذلك, يعتبر بيليون أن الظروف الحالية, خاصة مع التوترات الإقليمية الكبيرة والتدخلات الدولية من قبل الولايات المتحدة وروسيا, تجعل من دور فرنسا محدودًا للغاية في تحقيق نتائج ملموسة.
كما يرى أن استعداد إيران للوساطة قد يكون تكتيكيًا لمحاولة تجنب تصعيد أكبر مع إسرائيل, ولكن دون استعداد حقيقي لتقديم تنازلات مهمة.
وقال الخبير الفرنسي إن باريس تحتفظ بعلاقات قوية مع لبنان, بفضل التاريخ الاستعماري والعلاقات الثقافية والسياسية, كما أنها تسعى للحفاظ على دورها الدبلوماسي في المنطقة, ويمكن أن يكون للرئيس إيمانويل ماكرون دور إيجابي, نظرًا لعلاقته الجيدة مع العديد من الأطراف الإقليمية, إلا أن التوترات الأخيرة بين ماكرون وإسرائيل قد تقوض تلك الوساطة.
كما رأى بيليون أن محاولة فرنسا للموازنة بين دعمها لإسرائيل والعلاقات الوثيقة التي تربطها مع لبنان, حيث يتمتع حزب الله بنفوذ كبير, تجعل من وساطة فرنسا أمرًا حساسًا, خصوصًا في ظل الصراع الإسرائيلي مع حزب الله.
إقليميا ودوليا
أما عن التحديات الإقليمية والدولية, فقد أشار بيليون إلى أن الدور الفرنسي قد يصطدم بالتحديات الكبيرة التي تفرضها الأطراف الدولية الأخرى, مثل الولايات المتحدة وروسيا, بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية, لا سيما من إيران.
وشدد الخبير السياسي الفرنسي على أن يظل في موقف حرج, فبينما يمكن لفرنسا أن تقدم وساطة دبلوماسية, تظل احتمالات وقف الحرب مرهونة بمواقف الأطراف الإقليمية والدولية المعنية.
نفوذ محدود
من جهته, قال أستاذ العلوم السياسية الخبير في شؤون الشرق الأوسط, فريديريك أنسل, لـ"إرم نيوز" إن فرنسا قد تكون قادرة على لعب دور ما في تخفيف التوترات, لكن الرئيس ماكرون يواجه تحديات كبيرة في إقناع الأطراف المتصارعة, خصوصًا إسرائيل, بقبول أي مبادرة وساطة تتضمن حزب الله المدعوم من إيران.
ويعتقد فريديريك أنسل أن تأثير فرنسا في هذه الأزمة يتضاءل أمام النفوذ الكبير للولايات المتحدة وإيران, حيث يلعبان دورًا أكثر تأثيرًا في تحديد مسار الصراع.
ووفقًا للخبير السياسي الفرنسي, فإن ماكرون قد يتمكن من تحقيق بعض التقدم في ظل علاقاته الجيدة مع العديد من الأطراف الإقليمية, ولكن تحقيق سلام شامل يبدو غير واقعي في الوقت الحالي.
ورأى أنسل أنه رغم الجهود الفرنسية المتكررة للتدخل في أزمات الشرق الأوسط, فإن نفوذ فرنسا في المنطقة محدود مقارنة بالقوى الكبرى, مثل الولايات المتحدة, موضحاً أنه مع ذلك, قد تكون فرنسا قادرة على لعب دور دبلوماسي يدعم التهدئة على المدى القصير إذا تم التنسيق مع اللاعبين الرئيسين.