تولي باريس اهمية خاصة لانعقاد المؤتمر الذي دعت اليه في 24 من الجاري بشعار "دعم سيادة لبنان والشعب اللبناني" على مستوى وزراء الخارجية. اتخذ الرئيس ايمانويل ماكرون قرار الدعوة اليه على اثر زيارة وزير الخارجية جان نويل بارو بيروت في 29 ايلول الفائت, على ان يكون اول المتحدثين في جلسة الافتتاح التي يحضرها شركاء عرب واوروبيون وممثلو دول مجموعة العشرين والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة ومنظماتها, الى الجامعة العربية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وحده وزير الخارجية المصري يغيب لمشاركته في اليوم نفسه في قمة بريكس في كازان في روسيا.
للمؤتمر, بالتنسيق مع الامم المتحدة, ورقة عمل. يتولى امانته العامة السفير السابق في قطر فرانك جيليه, على ان يختتم باعلان تعهدات لمساعدات انسانية للشعب اللبناني ودعم الجيش اللبناني.
وفق مصادر ديبلوماسية فرنسية واسعة الاطلاع, تقع اهداف مؤتمر باريس في البنود الثلاثة الآتية:
1 ـ الاستجابة الانسانية العاجلة لحاجات الشعب اللبناني لا سيما منهم النازحين.
2 ـ دعم الجيش اللبناني بما يمكّنه من تنفيذ مهماته وتحمّل المسؤوليات الموكلة اليه كلها, بالاعتماد على لائحة كان اعدّها بحاجاته مطلع السنة الحالية, ناهيك بنتائج الاجتماعات الشهرية للجنة التقنية المنبثقة من مؤتمر روما.
3 ـ في هذا البند يكمن الجانب السياسي في اعمال المؤتمر تبعاً لمسألتين: اولاهما البحث في استراتيجية الخروج من الازمة المستفحلة عملاً بالقرار 1701 على نحو يتيح للنازحين عند جانبي الحدود اللبنانية - الاسرائيلية العودة الى اماكن اقامتهم. ثانيهما تحقيق تقدّم جدّي وسريع في الملف الرئاسي اللبناني بعدما سبق لفرنسا ان ابلغت المسؤولين اللبنانيين قبل اشهر ان الفراغ في المؤسسات الدستورية يضع البلد في موقف ضعيف تستغله اسرائيل.
ليس المؤتمر المزمع عقده الا احد وجوه تحرّك فرنسي اتخذ في الاشهر المنصرمة مساريْن متوازيين: تكليف الموفد الرئاسي الخاص جان ايف لودريان العمل على تسهيل توافق الافرقاء اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية, والزيارات المتوالية حتى آخرها لوزير الخارجية السلف ستيفان سيجورنيه ثم الخلف جان نويل بارو يدقان ناقوس الخطر من حرب بين اسرائيل وحزب الله ما لم يُصر الى اطفاء جبهة الجنوب والالتفات الى تنفيذ القرار 1701. في نهاية المطاف ذهبت الانذارات الفرنسية هباء. لم يُتح للودريان على وفرة زياراته لبنان احراز ادنى تقدّم في استحقاق مستعصى, من ثمّ دخلت الحرب الى لبنان.
الاسبوع الفائت, 10 تشرين الاول, كاشفت مديرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية آن غريو (السفيرة السابقة في بيروت) لدى اجتماعها بالسفراء العرب بالمسار الذي تقوده الديلوماسية الفرنسية بالتركيز على نتائج الجولة الاخيرة لبارو على السعودية وقطر والاردن والاراضي الفلسطينية واسرائيل في الملفات الساخنة الثلاثة: الحرب مع لبنان, والحرب في غزة, والمواجهة الاسرائيلية - الايرانية. خلال الجولة هذه تخابر بارو مع نظيره الاميركي انطوني بلينكن ثلاث مرات, ومع نظيره الايراني عباس عراقجي مرتين.
في خلاصة ما أفضت اليه الجولة تبعاً لما اوردته غريو امام السفراء العرب:
1 ـ لمس الوزير الفرنسي قلق الشركاء العرب من شعور اسرائيل بفائض قوتها في المنطقة, وخصوصاً استخدامها القوة خدمة لمصالحها ما يغريها في الذهاب الى ابعد مما وصلت اليه في عدوانها تحقيقاً لهدفها انشاء شرق اوسط جديد. اضف قلقاً مماثلاً من التهديد الايراني لدول المنطقة, وخصوصاً في البحر الاحمر.
2 ـ لقي الجانب الفرنسي تشجيعاً على مواصلة الجهود من أجل غزة ودعماً للمبادرات الفرنسية المتعلقة بلبنان, ورغبة في ان تبقى فرنسا هي المبادر لدعم القضية الفلسطينية.
3 ـ لمس الفرنسيون من المسؤولين الاسرائيليين شعوراً بفائض القوة بعد النجاحات التكتيكية التي حققوها في مواجهة حزب الله. لكنهم تيقّنوا من عدم وجود استراتيجية واضحة عند الجانب الاسرائيلي, باكتفائه بتقديم تطمينات بأن العملية العسكرية في لبنان محدودة ببضعة اسابيع. هو نفسه ما قالته اسرائيل في بداية حربها على غزة. ذلك ما حمل بارو على الدعوة الى ضرورة اعتماد الديبلوماسية والتعلّم من الماضي من أجل الوصول الى الحلول المطلوبة.
4 ـ أكد الجانب الاسرائيلي ان جيشه لم يُنه مهمته في غزة بعد, وتالياً لا وقف للنار في المدى المنظور. أما عن اليوم التالي, فترفض اسرائيل عودة السلطة الفلسطينية الى القطاع, وتأمل من الدول العربية في ايجاد حلول ترضي تل ابيب وادارة القطاع وفقاً للشروط الاسرائيلية.
5 ـ تعتبر اسرائيل انها أعادت تثبيت الردع. لذلك, على رغم تمسّكها بالرد على هجوم ايران عليها, قال وزيرا الخارجية يسرائيل كاتس والشؤون الاستراتيجية رون ديرمير لبارو ان الرد لن يؤدي الى حرب اقليمية مفتوحة. بحسب الجانب الاسرائيلي, سيكون الهدف عسكرياً فقط. بيد الاهداف غير المستبعدة ان تطاولها اسرائيل في ايران تتوزع بين منشآت نووية ومنشآت نفطية وبنى تحتية عسكرية.
ما رامت غريو التأكيد عليه, استمرار التواصل مع ايران واسرائيل رغم العلاقة المعقدة بين باريس وطهران, من غير ان تحول هذه دون امرار الرسائل تفادياً لاندلاع حرب اقليمية.
6 ـ اقرار فرنسا اخيراً بأن احداث 7 تشرين الاول 2023 وما بعده (طوفان الاقصى) اعادت تسليط الاضواء على مركزية القضية الفلسطينية الواجب ايجاد حل لها لئلا تبقى عامل عدم استقرار.
نقولا ناصيف _ الأخبار