فرضت الحرب على الضاحية الجنوبية تغيير نمط العمل في مرافقها الصحية, فباتت مستشفياتها "ميدانية", تستقبل بشكل أساسيّ جرحى الحرب, بغرف طوارئ مجهّزة وفريق عمل مناوب يبيت في داخلها, للتخفيف من التنقّلات على الطرق, فيما العمل في الأقسام الأخرى متوقّف إلّا لبعض الحالات الخاصة, كمرضى غسيل الكلى والعلاج الكيميائي.
ومع بلوغ الحرب أسبوعها الثالث, تستطلع "النهار" أحوال أربعة مستشفيات في الضاحية: الرسول الأعظم على طريق المطار, بهمن في حارة حريك, الساحل في الغبيري, والسان جورج في الحدت. هذه المناطق تعرّضت بشكل مباشر لقصف عنيف, ووصلت الغارات إلى حرم عدد من المستشفيات, وبات الخطر يلفّها ويتهدّد عملها.
مستشفى الرسول الأعظم- طريق المطار
يُمثّل مستشفى الرسول الأعظم رمزية كبيرة لأهالي الضاحية الجنوبية ومحيطها, لارتباطه بـ"حزب الله" مؤسساتيّاً, ولكونه من أولى مستشفيات المنطقة التي شهدت على حروب إسرائيل في لبنان منذ التسعينات.
شكّلت الغارات العنيفة على طريق المطار, الأسبوع الماضي, الخطر الحقيقي الأوّل للطاقم الطبي, بعدما شعر العاملون بأنّ "الضربة في حرم المستشفى", وقد "تناثرت الشظايا بشكل مباشر على مبنى مستشفى القلب وقسم الطوارئ, وشهدنا أضراراً من خلال تحطّم الزجاج ووقوع بعض الأسقف والمعدّات والآلات", وفق ما يؤكّد المدير العام الدكتور حسين شقير لـ"النهار".
الغارات الكثيفة جدّاً حينها لم تُثنِ الموظفين عن عملهم, إذ يؤكّد شقير أنّه "تفاجأنا بثبات الممرضين ومعنوياتهم المرتفعة, فنحن من المؤسسات المقاوِمة, ويجب أن نكون ثابتين ولدينا ثقة بأنّنا منتصرين".
يعمل المستشفى اليوم بنسبة 20 في المئة فقط, والفرق الطبية والفنية والإدارية حاضرة في كافّة الأقسام: الطوارئ, العمليات, والعناية الفائقة. كما يُقسَم العمل فيه إلى قسمين: فريق ينام يوميّاً في داخله, وفريق آخر يتنقّل من مكان إقامته إلى المستشفى, لارتباطه بعائلته, ما يُعرّضه لخطر القصف العشوائيّ.
لا يسبتعد شقير أن يكون مستشفى الرسول هدفاً لإسرائيل, خصوصاً بعد استهداف مستشفى صلاح غندور في مدينة بنت جبيل, فـ"لا نثق بالتزام العدوّ بقوانين أو أخلاقيات دولية تحوله دون استهداف المستشفى, وشهدنا ما حصل في مراكز الدفاع المدني والإسعاف في الجنوب", ويضيف: "كلّ السيناريوهات واردة, ونحن باقون إلى أن تصبح المغادرة فرضاً واجباً".
مستشفى السان جورج- الحدت
على غرار "الرسول", لم يخرج مستشفى السان جورج عن الخدمة بعد, وقد خفّف من استقبال "الحالات الباردة" ونقل عدداً منها إلى مستشفيات أخرى, ويواجه المعنيّون صعوبة في إجلاء بعض الحالات حتى الآن لحاجتها إلى العناية الفائقة.
شهد المستشفى على "خطر" القصف مرّات عديدة, لكنّ مديره العام حسن علّيق يؤكّد لـ"النهار" "مواصلة العمل بشكل طبيعي أثناء القصف, ونحرص على تهدئة المرضى, إذ يجب التمييز بين الخطر ومصلحة الجرحى, وهدف المستشفيات خدمة الناس".
كما يؤكّد علّيق أنّ "لا خطّة إخلاء لدينا الآن, ولا نيّة بالإخلاء أساساً, ونحن جزء من المواجهة وسنؤدّي دورنا على أكمل وجه".
مستشفى بهمن- حارة حريك
يُمكن اعتبار مستشفى بهمن مخصّصاً للطوارئ, ويعمل الآن بنسبة 5 في المئة فقط. يقع المستشفى في قلب الضاحية, وأحاطته الغارات مباشرةً, منذ استهداف القيادي في "حزب الله" فؤاد شكر, في 30 تموز الماضي, إلى الضربة الكبرى لحظة اغتيال السيد حسن نصرالله, فبات الوصول إلى المستشفى وسط التصعيد محفوفاً بالمخاطر.
يشرح المدير العام لـ"بهمن" علي كريّم وضع المستشفى لـ"النهار" بالقول: "اتّفقنا مع وزارة الصحة على أن يبقى قسم الطوارئ مفتوحاً لتقديم الإسعافات الأوّلية للمرضى, أو إجراء عمليات جراحية طارئة, والتأكّد من استقرار وضعها, تمهيداً لنقلها إلى مستشفى آخر".
وعلى الرغم من موقعه المتاخم للأحياء المستهدَفة, لم يستقبل المستشفى مصابي غارات الضاحية خلال الأسبوعَين الماضيَين, إذ يؤكّد كريّم أنّ "فرق الصليب الأحمر والهيئة الصحية الإسلامية تُفضّل نقل الجرحى إلى مستشفيات بعيدة عن الخطر".
وفق خطّة المستشفى, يتناوب الفريق الطبّي على مدى 24 ساعة, ويبيت داخله, مع وجود خطّة للإخلاء خلال الطوارئ ولكن "إلى داخل المستشفى", بحسب كريّم, إذ إنّ "نقلهم إلى الخارج يعرّضهم للخطر, وسنبقى نعمل حتّى الدقيقة الأخيرة بالتنسيق مع وزارة الصحّة".
مستشفى الساحل- الغبيري
الحال في مستشفى الساحل مشابه أيضاً, وهو المستشفى الوحيد الذي لا يزال يستقبل مرضى غسيل الكلى بالتنسيق مع وزارة الصحّة.
يعمل في أروقة المستشفى 50 شخصاً فقط, وقد أمّنت الإدارة لهم المنامة والمأكل والمشرب, وهم يغطّون كافة الأقسام كالطوارئ, والتمريض وحتّى مناوبي الحراسة. أمّا الأطباء المتمرّنين, فيعملون من السابعة صباحاً حتى السابعة مساءً, وقد حضر ثلاثة منهم سريعاً إلى المستشفى ليلاً عند استهداف بيروت الخميس.
يرى المدير العام للمستشفى الدكتور مازن علامة أنّ "حالة الخوف والهلع التي قد تصيب الممرّضين تُعدّ ردّة فعل طبيعية, لكنّ أحداً لم يطلب المغادرة بعد الغارات على الغبيري وطريق المطار", في حين اتّخذت إدارة المستشفى "تدابير سريعة بإخلاء الطاقم إلى غرف تحت الأرض بعد أيّ إنذار إسرائيليّ, لضمان عدم سماع دويّ الغارات". وهنا يؤكّد علامة أنّه "ستيمّ إخلاء المستشفى بشكل كامل إذا ما وصلت الغارات إلى حرمه, وجهّزنا مخارج عدّة لذلك".
وعبر "النهار", يدقّ علامة ناقوس الخطر, معلناً اقتراب المستشفى من "الخطّ الأحمر للتجهيزات الطبية", فيما يؤكّد على الصمود "حتّى النَفَس الأخير... ويُمكننا الاستمرار لشهر أو شهرَين, فالمساعدات لا يمكنها حلّ الأزمة في ظلّ انقطاع السيولة مع توقّف استقبال المرضى منذ مدّة".
لا مساعدات طبيّة من وزارة الصحّة
لم تتسلّم مستشفيات الضاحية أيّاً من المساعدات الطبية التي وصلت من دول عربية عدّة إلى وزارة الصحّة اللبنانية, فيما قدّم الصليب الأحمر الدولي مساعدات لمستشفى الساحل تضمّ موادّ لطوارئ الحرب.
وهنا تؤكد إدارة السان جورج على "التنسيق القويّ والفعّال واليوميّ" مع وزارة الصحّة وغرفة الطوارئ الحكومية, إلّا أنّها "لم تتسلّم أيّ مساعدات حتّى الآن, والطرق لا تزال مفتوحة, وما زلنا نشتري المواد بشكل طبيعي".
كما تلفت إدارة "الرسول الأعظم" إلى أنّه "ليس لدينا نقص في التجهيزات نتيجة عدم الضغط على المستشفى, فالضاحية خالية بنسبة معينة, ونظنّ أنّ العجز في المستلزمات سيقع عند انتهاء الحرب وتدفّق المرضى".
غياب المساعدات الطبية دفع النائب فادي علامة, وهو أحد المسؤولين في إدارة "الساحل", إلى التواصل مباشرة مع الوزير فراس الأبيض لاستيضاح الأمر, مؤكّداً لـ"النهار" أنّ "خطّة الاستجابة للطوارئ التي وُضعت وتدرّبت المستفشيات عليها سابقاً, غطّت موضوع المستلزمات الطبية والأدوية في حال الحصار الإسرائيليّ أو شحّ المواد في السوق, على أن تؤمَّن المواد الطبية لشهرين تقريباً".
الإشكالية التي تواجه مستشفيات الضاحية اليوم أنّها تعمل "من دون أيّ دخل ماديّ وتحاول الاستمرار, وستقع في أزمة تأمين رواتب موظّفيها ودفع تكلفة مستلزماتها".
كما يتخوّف علامة من أيّ استهداف إسرائيليّ للمرافق الطبية, معتبراً أنّ "تجربة غزّة غير مشجّعة, وأصدرنا بيانات في مجلس النواب استنكاراً لقصف المستشفى المعمدانيّ ولم يُحرّك أحد ساكناً", ويضيف: "نُقدّم رسالتنا وسنواصل العمل بالحدّ الأدنى من الموظّفين".