ينغل مكتب "وكالة داخلية عاليه" في الحزب التقدمي الاشتراكي بالوافدين. الموظفة خلف الحاسوب "لا تلحّق" تسجيل طلبات النازحين, بين من تطلب بطانية باستحياء, ومن تذكّر "بما طلبته قبل 10 أيام", ومن يدخل على عجل حاملاً تقريراً طبياً طالباً تغطية جراحة لابنه... إلى جانب الموظفة يجلس أمين سر "خلية الأزمة المركزية في عاليه" رئبال أبو زكي منهمكاً في تأمين احتياجات أكثر من 43 ألف نازح في قضاء عاليه, وهي أرقام أولية عن قائمّقام عاليه بدر زيدان, ولا تشمل جميع النازحين خصوصاً الذين استأجروا منازل ولم يسجّلوا أسماءهم في الخلية. تفوق الطلبات بأشواط التقديمات التي تصل من الجمعيات والمبادرات الفردية, "فالحماسة والهمّة اللتان شهدناهما في الأيام الأولى للنزوح تراجعتا كثيراً. فبعدما كان لدينا فائض في الغذاء في مراكز الإيواء, صرنا نجري اتصالات يومياً لتأمين حاجتنا, واختفت جمعيات عدة رغم الحاجة المستمرة إلى الغذاء والمزيد من الأغطية ووسائل التدفئة مع اقتراب الشتاء...", كما يقول وكيل داخلية عاليه في الحزب التقدمي الاشتراكي يوسف دعيبس.
الدولة من جهتها لا تزال غارقة في غيبوبتها, وجمعيات المجتمع الأهلي العاملة في المنطقة تقدّم مساعدات على شكل فرش وأغطية وموادّ تنظيف وألعاب وحصص غذائية, كما تعهّدت إحداها بتقديم وجبات الفطور لعدد من المراكز ثلاثة أيام في الأسبوع, "لكنّ الأمور ليست بالمستوى المطلوب كما كانت عليه عام 2006", بحسب أبو زكي. إزاء ذلك, "لا نضمن الاستمرارية في إغاثة النازحين وتقديم احتياجاتهم الأساسية, لأنه ليس هناك مخزون من المساعدات نتّكئ عليه, إذ نؤمّن وجبات الغذاء الثلاث قبل يوم فقط, وفي أحد الأيام لم يجد المتطوّعون طعام العشاء للنازحين فحضّروا المعكرونة ووزّعوها عليهم". وعليه, تفكر خلية الأزمة في "إنشاء مطابخ في كل مركز بدلاً من المطابخ الستة التي أنشأناها بالتعاون مع المجتمع الأهلي ثم أوقفناها, لإشراك العائلات في تحضير الغذاء بمجهودها بعد توفير المواد الأولية والتجهيزات اللازمة".
وبعد أكثر من أسبوعين على موجة النزوح, لا يزال الطلب مستمراً على مراكز الإيواء في عاليه, علماً أن "كل المراكز فوّلت, فهناك من يغادرون منازل الأقارب والمعارف أو من يرغبون بالانتقال من مراكز الإيواء في صوفر وزحلة إلى عاليه هرباً من الاكتظاظ". وعلى صعيد توفير مياه الخدمة لمراكز الإيواء, يلفت دعبيس إلى "وصول 6 أو 7 نقلات مياه من الدفاع المدني يومياً, لكنّ العدد الكبير للمستخدمين الكبير يتطلب أحياناً المزيد, لذلك نقوم بالتوعية على ضرورة ترشيد استهلاك المياه وفرز النفايات والحفاظ على النظافة الشخصية".
إلى جانب التحدي في استمرارية إغاثة النازحين في مراكز الإيواء, تلفت خلية الأزمة في عاليه إلى النقص في احتياجات النازحين في المنازل, "ففي مدينة عاليه وحدها هناك 3500 وحدة سكنية, 2500 منام تقدمة من أهالي عاليه, بدأنا بزيارتهم وتسجيل احتياجاتهم". وعمّا ينقصهم, يجيب دعبيس "كل شيء, خصوصاً من نزحوا إلى بيوت غير مفروشة, إذ يحتاجون إلى فرش وأغطية, وأدوات طبخ, وقوارير غاز, ومواد تنظيف, وأدوية, وغذاء", مضيفاً أنه "وصلنا عدد زهيد من الحصص الغذائية وزّعناها على 200 منزل, إلى جانب لائحة طويلة بالأدوية الناقصة". ويبقى التحدي الأكبر أمام النازحين في عاليه هو حلول الشتاء, إذ لا مياه ساخنة للاستحمام, ولا تمويل لتأمين نحو 30 ألف ليتر مازوت للتدفئة, بحسب تقديرات خلية الأزمة. ومن التحديات التي يثيرها دعيبس أيضاً إزالة النفايات التي تراكمت في المكبات وحول المراكز "بعدما أدّت الطفرة الديمغرافية إلى طفرة في النفايات مقابل تخوّف شركة "سيتي بلو" المتعهّدة برفعها ونقلها ليلاً إلى مطمر كوستا برافا نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية, لذلك نفكّر في إيجاد مكبّ ليلي مؤقت في المنطقة".
يبدي دعيبس تفاؤلاً لجهة "استعادة الدولة المبادرة قريباً بعد كل هذا الغياب لتوزيع المساعدات التي وصلتها من المنظمات الدولية وأخرى في طريقها للوصول". حتى ذلك الوقت, يمسك الحزب التقدمي الاشتراكي ملف النازحين في عاليه, بالتشبيك مع قائمقام عاليه والمجالس البلدية والجمعيات. فجر الإثنين 23 أيلول الماضي دخلت الخطة التي أعدّها الاشتراكي منذ عملية طوفان الأقصى ودخول حزب الله في جبهة الإسناد قيد التنفيذ, ووزّع شبكة من المتطوعين على المراكز لاستقبال أبناء الجنوب والبقاع ثم الضاحية الجنوبية, ولا يزال هؤلاء متمركزين على أبواب المراكز لحفظ الأمن وبين الغرف لتأمين احتياجات النازحين, كذلك يتولى تنظيم عمل الكشفيين والجمعيات والأكاديميات, معيداً كل ذلك إلى "الواجب الوطني والإنساني الذي لا يضعنا أمام خيار سوى التصرف بهذا الشكل".
زينب حمود- الأخبار