بقلم: كارين عبد النور
يحتفل العالم بالطيور المهاجرة مرّتين سنوياً: السبت الثاني من كلّ من شهر أيار/مايو وتشرين الأول/أكتوبر (اليوم). ذلك من أجل تسليط الضوء على المخاطر التي تواجهها هذه الفئة من الطيور نتيجة الأنشطة البشرية. لبنانياً, تزيد الحرب المستعرة من المخاطر التي تهدّد هذه المخلوقات "البريئة", ما يجعل الحفاظ عليها أكثر صعوبة وتعقيداً.
تُعتبر الطيور المهاجرة رمزاً للتوازن البيئي العالمي, حيث تعتمد على مسارات محدَّدة للانتقال من موائلها الشتوية إلى مناطق التكاثر في فترات محدَّدة, هي الأخرى, من السنة. ويشكّل لبنان جزءاً أساسياً في دورة حياة عدّة أنواع من هذه الطيور كونه يتقاطع مع إحدى أهم المسارات التي تعبرها الطيور المهاجرة بين قارتَي أوروبا وإفريقيا.
بيد أن العمليات العسكرية التي يشكّل لبنان أحد مسارحها حالياً تُعرّض التوازن البيئي المذكور للاضطراب, ما يؤثّر سلباً على مسارات هجرة الطيور. ثم أن الصراعات المسلّحة تؤدّي إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي التي تُعدّ ملاذاً لها. وهذا يتسبّب بدوره بتشتيتها وإفساد بيئاتها الطبيعية ويعرّضها لخطر الهلاك أو الضياع عن مساراتها المعتادة.
للغوص أكثر في المسألة, تواصلت جريدة "الحرّة" في هذه المناسبة مع رئيس جمعية "ناشطون لحماية الحسّون والطير البرّي", الإعلامي البيئي روجيه سعد. وقد أشار إلى هذا اليوم بوصفه حملة توعية جرى إطلاقها بتنسيق من هيئة الأمم المتحدة للبيئة في العام 2006 للدعوة إلى الحفاظ على الطيور وموائلها. "في كلّ سنة, يحمل هذا اليوم شعاراً مختلفاً. هذا العام كان شعاره الحفاظ على الحشرات, حيث أن الكثير من الطيور تعتمد على أكلها بشكل رئيس, وهي تقتاتها بكميات أكبر خلال موسم الهجرة للحفاظ على قوّتها وإطعام فراخها في موسم التكاثر".
ويضيف سعد أن موقع لبنان بين القارات الثلاث, إفريقيا وآسيا وأوروبا, يجعله ممرّاً هامّاً وأساسياً للطيور المهاجرة. كما يُعدّ ساحل البحر الأبيض المتوسط موطناً لعدد ضخم من النظم البيئية والموائل الطبيعية الهامة للطيور أثناء هجرتها. "عالمياً, للأسف, ما يفوق 40% من الطيور المهاجرة باتت معرّضة للإنقراض, بينما يواجه حولى 200 نوعاً منها تهديدات مماثلة. ويرجع ذلك إلى ارتفاع أعداد السكان والتطوّر التكنولوجي, ما سمح بتفشّي ممارسات الصيد الجائر غير المستدام كالشبك والدبق وصيد الليل".
من هذا المنطلق, اعتبر سعد أن ثمة مسؤولية تقع على عاتق الإنسان تجاه كوكبه والطبيعة لحماية الطيور المهاجرة أثناء ترحالها الطويل, كما مسارات هجرتها كي تكملها بأمان نحو مواطنها الشتوية في إفريقيا. يضاف ذلك إلى ضرورة بثّ التوعية حول أهمية تلك الطيور ودورها الأساسي على مستوى التنوّع البيولوجي والحدّ من انتشار القوارض بواسطة إجراءات رادعة قبل فوات الأوان. "من الضروري ترشيد استخدام المبيدات الحشرية وحصر استعمالها بالمهندسين الزراعيين وبدراسة معمّقة منعاً للقضاء على الحشرات المفيدة, لاسيّما وأن تناقُص الأخيرة يرتبط كذلك بزيادة منسوب التلوّث والتغيّر المناخي
رغم الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان, يأتي اليوم العالمي للطيور المهاجرة ليذكّر بأهمية الحفاظ على الطبيعة وحمايتها حتى في أوقات النزاعات. فهي أصدق تجسيد للروابط العابرة للاختلافات البشرية بين الشعوب والبيئات المختلفة. كما أن دينامية ترحالها السنوي تعكس مرونة الطبيعة وقدرتها على التكيّف مع شتّى الظروف. ليس قليل الدلالات أن يكون لبنان, بجغرافيّته المحدودة, ممرّاً جويّاً آمناً لتلك الطيور. عسى أن ينعكس ذلك, يوماً ما, سلماً "أرضياً" في بلد محكوم بحروب لا تنتهي.