تركز المفاوضات على عودة الهدوء إلى جانبي الخط الأزرق عند الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل, ولا بدائل أمنية ممكنة التطبيق قابلة للحصول على موافقة دولية داخل مجلس الأمن الدولي, سوى القرار 1701 الذي أدى إلى وقف النار بين لبنان وإسرائيل بعد حرب 2006. لكنّ أصواتا عديدة تطالب بتعديله منذ ما قبل اندلاع الحرب بين "حزب الله"وإسرائيل, لأن قوة "اليونيفيل" فشلت مراراً وتكراراً في مهمتها.
يبدو واضحاً أن العنصر الأساسي في الخطط التي وضعتها باريس وواشنطن والجهود التي تبذلها الدول الصديقة لوقف القتال على جانبي الخط الأزرق ولمنع اندلاع حرب شاملة بين محور المقاومة وإسرائيل, هو وقف النار في غزة, والذي يعتبره الحزب شرطاً أساسياً لإنهاء أعماله العسكرية. أما العنصر الثاني فيتشكل من قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان التي تضم نحو عشرة آلاف عنصر, وقد تم تجديد التفويض في مجلس الأمن الدولي في 31 آب الماضي من دون إعادة النظر في أدائها, في انتظار التوافق على حل يؤدي إلى وقف القتال.
لكنّ "اليونيفيل" أثبتت عدم فاعليتها في تنفيذ مهمتها مدى عقدين تقريباً. وفي غياب تغيرات في المهمة العملانية لهذه القوة, فإن الأمل ضئيل في أن تتمكن وحدها من أداء دور في ضمان سلامة الحدود بين البلدين, علما أن أيّ حل للصراع يجب أن يشمل اتخاذ خطوات لتفعيل هذه القوة وتجنب حرب شاملة.
بعد حرب 2006 بين "حزب الله" وإسرائيل, نص القرار الدولي 1701 على أن تساعد "اليونيفيل" المنتشرة على الحدود منذ عقود, الجيش اللبناني على ضمان أن تكون المنطقة جنوب نهر الليطاني خالية من المسلحين والأسلحة غير الشرعية. وبدلاً من ذلك وسّع "حزب الله" انتشاره ووجوده العسكري على طول الحدود ومنع "اليونيفيل" من القيام بدوريات على مساحات واسعة من الأراضي, واعتدى على أفراد هذه القوة وقتل بعضهم من دون محاسبة.
وتشير تقارير عن نشاطات "اليونيفيل" إلى أنها استمرت بالعمل رغم اندلاع المواجهات, وسيّرت دوريات عديدة, لكنها كانت خارج المناطق الحساسة التي منع الحزب "اليونيفيل" من دخولها, في انتهاك للقرار 1701 الذي فرض حظراً على ترسانة "حزب الله" في منطقة جنوب الليطاني. ونادراً ما استولت القوة الدولية على أسلحة الحزب قبل اندلاع الحرب في تشرين الأول الماضي, ولم تحقق في مستودعات ومواقع عسكرية استهدفتها إسرائيل.
وبما أن القرار 1701 صدر تحت الفصل السادس, فإنه غير قابل للتنفيذ عسكرياً, بل يعتمد على تعاون إسرائيل ولبنان. وقد فشلت بيروت في الوفاء بالتزاماتها بدلاً من مساعدة الأمم المتحدة في تنفيذ القرار, وتجنب الجيش اللبناني الصراع مع الحزب فلم يؤدّ دوره, حتى إنه علّق الدوريات المشتركة, وإسرائيل من جهتها تمعن في انتهاك القرار بانتهاكاتها يومياً سيادة لبنان, والآن بحربها عليه .
أما قوة "اليونيفيل" فتجنبت من جهتها مراقبة المناطق التي تولّد توترات, فتآكلت الثقة الإسرائيلية والأميركية بدورها, وطالبت واشنطن بتعديلات على القرار لتغيير قواعد الاشتباك. وأدّى تعليقها الاجتماعات الثلاثية مع ممثلين للجيشين اللبناني والإسرائيلي منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي, إلى توقف الاتصالات في ذروة الأزمة التي ولّدتها حرب غزة.
وفي ضوء تلك الملاحظات على عجزها عن القيام بدورها بفاعلية, ارتفعت أصوات داخل الإدارة الأميركية منتقدة كلفة تمويلها بنحو 500 مليون دولار سنوياً, تدفع منها الولايات المتحدة 125 مليوناً, إذ كانت تعتقد أن هذه القوة قادرة على منع نشوب حرب أخرى بين إسرائيل و"حزب الله". لذلك تحدد مصادر ديبلوماسية غربية بعض الخطوات لتحسين أدائها, وخصوصاً أن أيّ حل لوقف النار بين لبنان وإسرائيل مبني على استمرار دورها:
أولاً- الضغط على لبنان لمنع الحزب من عرقلة دور هذه القوة وتحميله مسؤولية ذلك .
ثانيا- تعزيز قدرة الجيش اللبناني ليكون أكثر مهنية, وتوثيق تعاونه مع "اليونيفيل" وربط المساعدات التي تقدم إليه بأدائه ومنعه تفلت السلاح في المناطق اللبنانية.
ثالثاً- إعادة بناء الثقة بالقوة الدولية ديبلوماسياً وعسكرياً, ومراقبتها المنطقة الحدودية بفاعلية, وتقديمها تقارير نزيهة عن الوضع على الحدود.
رابعاً- إضافة قدرات هذه القوة من خلال وحدات استخبارية وقدرات كافية للمراقبة التقنية, كان الحزب عارض استخدامها, وهي تعتمد على تقارير الأطراف أو الإعلام ولا يمكنها إثباتها على نحو مستقل.
سادساً- على الرغم من حجم القوة البالغ 10 آلاف عنصر تقريباً, لم تف بالتزاماتها, إذ تراجعت الدوريات تجنباً لاستخدام الجنود دروعا بشرية. لذا تتم المطالبة بإعادة النظر في حجم هذه القوة بما يتناسب مع دورها مستقبلًا.
سابعا- تحسين التقارير لتكون أكثر فائدة عند انتهاك القرار 1701, فتتحرك سريعاً لمنع التصعيد.
ثامناً- تُجدَّد ولاية "اليونيفيل" سنوياً, لكنّ الوضع الإقليمي المتقلب يتطلب تعديلات ملحة على القوة أو جوهر التفويض. ولمنع بعض التناقضات التي ظهرت في القرار, ينبغي التجديد كل ستة أشهر كما طرحت واشنطن في تموز الماضي, بما يتيح تعديلات إذا لزم الأمر.
تبدو البدائل من قوة الأمم المتحدة محدودة, وجميع الحلول المطروحة لتطبيق وقف النار على جانبي الخط الأزرق تعوّل على دور هذه القوة والجيش اللبناني في المحافظة على الأمن والاستقرار. فالمطلوب تحوّل في أدائها وتعاونها مع الجيش للاضطلاع بدور إيجابي يُعوَّل عليه في جنوب الليطاني.
سمير تويني_ النهار