طغت الصواريخ الإيرانية التي استهدفت تل أبيب وعددا من المدن الإسرائيلية على واجهة الأحداث, واستحوذت على معظم الاهتمام بما فيه ما حُكي إسرائيليا عن توغّل بري عبر الحدود الجنوبية تمهيدا للغزو البري الذي تهدد به تل أبيب منذ مدة. ولا شكّ أن التصعيد بلغ مرحلة جديدة غير متوقّعة, وكشف عن وجه إيراني مغاير, انتقل من استعراض القوة في نيسان الفائت إلى استخدام القوة بغزارة, نحو ٢٠٠ صاروخ باليستي, بعضها فرط صوتي من نوع فتّاح. وهذا التطور العسكري بالغ الخطورة, يجعل المنطقة بأكملها على حافة انهيار غير مسبوق, في حال لم تبادر العواصم المعنية الى تطويق هذا التدهور الذي بدأ في ١٧ أيلول الفائت وبلغ الذروة مع اغتيال تل أبيب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
يفترض ما يحصل راهنا أن يشكل صدمة إيجابية في بيروت, في ظل الحاجة القصوى إلى تحصين الداخل وإعادة المناعة إلى المؤسسات المريضة والمتهالكة. وهذا التحصين يبدأ لزاماً بانتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء نحو سنتين من الفراغ الذي عرّض البلد لشتى أنواع المخاطر. لذا ثمة تعويل متزايد على التحرك الذي يقوم به راهنا رئيس مجلس النواب نبيه بري, وهو ينطوي على عناصر رئاسية جدية, تكاد تكون حاسمة, تختلف عمّا سبقها من مبادرات ومحاولات, ومن شأنها أن تقود إلى انتخاب رئاسي قريب, توافقي لا صدامي, يجسّد الرغبة الداخلية ويلاقي التوجّه الخارجي, العربي والدولي.
وفي الساعات الأخيرة, لمس زوار رئيس المجلس تطورا في موقفه الرئاسي, ورغبة حادة في إقفال الملف الرئاسي النازف عبر التوافق على إسم إذا أمكن, أو أكثر من إسم إذا اقتضت الضرورة, يصار بعدها إلى الاقتراع عليها في المجلس النيابي في جلسات مفتوحة حتى الانتخاب.
ويلفت الزوار إلى أن بري الذي بدت عليه يوميّ الجمعة والسبت الفائتين وطأة اغتيال نصر الله, استعاد نشاطه, وهو يجهد راهنا لتوفير ظروف انتخاب الرئيس عبر جولة من المشاورات النيابية, كان أبرزها مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل, الذي ستكون له اليوم محطة لافتة في السرايا الكبيرة.
ويتوقّع مصدر سياسي رفيع اختراقا تدريجيا يؤمل أن يصل إلى البرّ الرئاسي, على أن تجري مواكبته خارجيا, وخصوصا عبر واشنطن وباريس والرياض, توصلا إلى سلة الحل المنشود, من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة, مدخلا إلى معالجة دولية للحرب الإسرائيلية على لبنان.