أكد محللون دوليون أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو, يحاول تحقيق انتصار "شكلي" عبر عمليات الاغتيال التي ينفذها في قطاع غزة ولبنان, للتغطية على فشله في تحقيق أهداف الحرب التي أعلنها منذ 11 شهرا.
أحدث الاغتيالات, أعلنتها إسرائيل صباح امس السبت, بـ"القضاء" على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله, بعد عمليات شبيهة نفذتها بحق قيادات بتنظيمه, إضافة إلى أعضاء لحركة المقاومة الإسلامية "حماس", في مقدمتهم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية.
واغتيال قيادات في حزب الله وحركة حماس, يثير تساؤلات عن أهداف إسرائيل من هذه السياسة, ومدى جدواها في تحقيق أهداف الحرب المعلنة, فضلا عن مدى تأثير غياب القادة الراحلين على تماسك تنظيماتهم الباقية.
وفي أول تعليق له على اغتيال نصر الله, ادعى نتنياهو أن الخطوة كانت "شرطا ضروريا لتحقيق الأهداف التي وضعناها للحرب".
منذ اندلاع العدوان على غزة في 7 تشرين الأول الماضي, تحدث مسؤولون إسرائيليون عن حرب قد تستمر لأسابيع, قبل أن تعلن "حكومة الحرب" عن استمرارها لمطلع 2024.
وبعد 8 أشهر من اندلاعها, قال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هانغبي, في 29 أيار الماضي, إن الحرب على غزة "ستستمر حتى مطلع عام 2025 على الأقل".
ليست آماد الحرب في غزة التي استطالت فحسب, فمنذ اندلاعها, ردد نتنياهو في أكثر من مناسبة, أن لحربه ثلاثة أهداف, هي "القضاء على حماس, وإطلاق المحتجزين بالقطاع, وضمان ألا تشكل غزة تهديدا لأمن إسرائيل".
ورغم أن إسرائيل, وفق مراقبين, لم تحقق أيا من ذلك في غزة, فقد أعلنت في 17 أيلول الجاري, عن "توسيع أهداف الحرب" لتشمل إعادة سكان شمال إسرائيل إلى منازلهم التي نزحوا منها بسبب هجمات حزب الله.
وبمجرد إعلان نتنياهو توسيع الحرب, قال المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين, إن "عملية عسكرية واسعة في لبنان لن تؤدي إلى تحقيق الهدف المذكور", غير أن نتنياهو أصر عليها وأطلقها بالفعل في 23 أيلول.
وأمام خسائر الجيش الإسرائيلي التي يتكتم عليها في لبنان وغزة, وعدم قدرة نتنياهو على تحقيق أهدافه المعلنة لما يقرب من عام, لم يجد إلا استهداف قادة حماس وحزب الله, وحتى من المقيمين منهم في بلدان أخرى.
فاغتالت إسرائيل قصفا, بعض قيادات كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس, بينهم أيمن نوفل قائد لواء الوسطى بغزة في 17 تشرين الاول الماضي, وأحمد الغندور قائد لواء الشمال في 27 تشرين الثاني 2023.
ومع فشلها في اغتيال قادة "القسام", فقد اغتالت إسرائيل صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس في 2 كانون الثاني الماضي ببيروت.
ثم رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية, في قصف لمقر إقامته خلال زيارة معلنة للعاصمة الإيرانية طهران, نهاية تموز الماضي.
وفي لبنان, اغتالت إسرائيل عددا من القادة العسكريين لحزب الله, أبرزهم فؤاد شكر في 30 تموز الماضي, وإبراهيم عقيل في 20 أيلول الجاري.
لتصل العمليات الإسرائيلية إلى ذروتها, مع إعلانها في 28 أيلول الجاري, عن اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله, في قصف واسع وعنيف هز بيروت.
وفيما يأمل مسؤولو إسرائيل, أن تكون الضربات الجوية المتواصلة, وعمليات الاغتيال لقادة المقاومة, كافية لإجبار حزب الله, أيّا كان قائده, على سحب قواته إلى ما وراء نهر الليطاني, فقد أكدت تحليلات غربية, أن تأثير تلك العمليات "مؤقت".
وهو ما ذهبت إليه صحيفة "التليغراف" البريطانية, التي استبعدت أن تكون عمليات الاغتيال "كافية لردع حزب الله عن مواجهة إسرائيل", مشيرة إلى أن "عددا كبيرا من قادته, الذين يلعبون أدوارا مهمة, ما زالوا أحياء".
ورجّحت الصحيفة, في تحليل نشرته 28 أيلول الجاري, أن تكون دلالة استهداف نصر الله "رمزية" لأنه لا يمثل إلا "صوت التنظيم وواجهته", أما "القرارات السياسية والعسكرية, فإن مسؤولين خاضعين لإيران يتخذونها".
وأشارت إلى أن "الحرس الثوري الإيراني, الضالع سيساعد في تجديد القادة العسكريين واختيار آخرين". وهو ما أكدته طهران في تعليقها على اغتيال نصر الله, بحسب وكالة تسنيم الإيرانية.
ونقلت "تسنيم" عقب تأكيد نبأ اغتيال السيد حسن نصر الله, قول علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي إن "كل قائد يستشهد سيكون له بديل".
وأضاف أن "المقاومة لديها كوادر قوية وباغتيال القادة سيحل محلهم أشخاص آخرون, فالنظام الإسرائيلي اغتال العديد من العلماء النوويين الإيرانيين, هل توقف البرنامج النووي الإيراني؟ وهكذا الحال مع المقاومة اللبنانية واغتيال قادة المقاومة".
ولقي اغتيال نصر الله وقادة بالمقاومة في عمليات سابقة, إشادة واسعة في إسرائيل من سياسيين ومؤسسات أمنية ووسائل إعلام, بدعوى أنها "محددة الهدف, وستحل مشاكل الحرب".
هذه الإشادة التي يبديها قادة إسرائيل, بددتها حركة حماس, بقولها في بيان أصدرته في 27 أيلول الجاري, إن "إسرائيل تتوهم أنها ستحقق انتصارا خياليا يطفئ شعلة المقاومة".
وقال نائب رئيس المكتب السياسي للحركة خليل الحية, في 28 أيلول, إن نصر الله "ترك من خلفه رجالا أشداء يحملون الراية من بعده, يكملون المسير نحو القدس, ويواصلون مشاركتهم في طوفان الأقصى وإسناد غزة".
بل أبعد من ذلك, إذ ذهب تحليل لصحيفة "هآرتس" الاسرائيلية, إلى أن "الاغتيالات, لا سيما حين تكون بمثل هذه الوتيرة المتسارعة, لا تخدم أي غرض سياسي, ولا تقدم أي فائدة, بل إنها على المدى البعيد, قد تؤدي إلى زيادة العنف".
وأكد التحليل الذي كتبه الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان, في 2 آب الماضي, تعليقا على اغتيال هنية وشكر, أن عمليات إسرائيل في لبنان وغزة, تشير إلى أن الاغتيالات "أصبحت غاية في حد ذاتها".
وانتقد ميلمان, ما يتردد عن أن هذه الاغتيالات ستؤدي إلى إنهاء الحرب في لبنان وغزة, وقال إن "الناس (في إسرائيل) يخدعون أنفسهم, عندما يعلقون الأمل على مثل هذه التكتيكات".
ربما ما لم تفكر فيه إسرائيل باغتيال قادة للمقاومة, أن مقتل القائد لا يعني بالضرورة تفكك التنظيم, فاغتيالها عباس الموسوي, عام 1992, لم يقضِ على حزب الله, كما أنه جاء بعدوّها حسن نصر الله, الذي تفخر اليوم باغتياله.
الأمر نفسه في غزة, فاغتيال هنية, لم يمنع "حماس" من اختيار يحيى السنوار رئيسا لمكتبها السياسي, ما عدّه مراقبون نتيجة أسوأ بالنسبة لإسرائيل, إذ إن الأخير يدير بالفعل مقاومة غزة, وبات يجمع معها القيادة السياسية للحركة.
تتفق مع هذا التحليل, الزميلة غير المقيمة في برنامج الشرق الأوسط في "المجلس الأطلسي" بواشنطن علياء براهيمي, التي قالت: "رغم عيوبه, كان نصر الله شخصية عقلانية متمرسة في اللعبة الجيوسياسية".
وأضافت الباحثة, في تحليل نشره موقع المجلس الأطلسي في 28 أيلول الجاري: "رغم خطاب نصر الله الحماسي بشأن الانتقام من الهجمات على المدنيين في غزة, لم يشن هجوما كبيرا على إسرائيل رغم قدرات ترسانته".
وأشارت إلى أن "رحيل نصر الله, يدفع كلا من الديناميكيات اللبنانية والصراع مع إسرائيل, إلى مسار جديد, مسار غير مؤكد", إذ إن "نشأة حزب الله, قد تشير إلى ما قد يحدث لاحقا".
وأوضحت أن "الحزب نشأ وسط الاضطرابات والآلام التي أعقبت الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982", لذا فإن "دماءه السياسية تتغذى من الصراع مع إسرائيل".
وخلصت إلى أنه "طالما استمر هذا الصراع, خصوصا مع استمرار القصف الإسرائيلي الذي يحصد أرواح النساء والأطفال, فسيبقى هناك مجال لنسخة جديدة من حزب الله للمضي قدما, وسيعاد تشكيله وإعادة تنظيمه".
عربي 21