عكس الرفض الإسرائيلي للمقترح الأميركي الفرنسي لوقف مؤقت لإطلاق النار مع حزب الله, الإجماع الإسرائيلي على حرب لبنان الثالثة, وهو الإجماع الذي تبناه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو, من خلال قرار المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية "الكابينت", بتحديث أهداف الحرب وإدراج إعادة النازحين الإسرائيليين إلى البلدات الحدودية مع لبنان.
ويتجاوز هذا الإجماع كافة المعسكرات السياسية والحزبية, ويتخطى الخلافات حول القضايا الداخلية الحارقة, ويحظى بدعم أوساط المجتمع الإسرائيلي الذي تعززت لديه القناعات أن حزب الله مثل فصائل المقاومة الفلسطينية وحركة حماس, يشكل خطرا وجوديا على استمرار المشروع الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط.
تأتي هذه التطورات والموقف الإسرائيلي في مرحلة لم يفعل حزب الله كافة قدراته الصاروخية, حيث يتعمد استهداف المواقع العسكرية فقط, ويتجنب قصف المناطق المأهولة والمدنيين, لتكون لديه ورقة ضغط قبالة المجتمع الدولي, ليحفظ لنفسه حق الرد أمام التغول الإسرائيلي بالعدوان على لبنان.
رسائل وأهداف
وتوافقت قراءات المحللين والباحثين بالشأن الإسرائيلي على أن الهدف المعلن بإعادة النازحين عن مستوطنات الشمال, وكذلك إعادة فرض السيادة الإسرائيلية على طول الحدود مع لبنان كما عبر عنه وزير الدفاع يوآف غالانت, يستلزم قدرا أكبر من التوافق بين الأحزاب الإسرائيلية حول العملية العسكرية ضد حزب الله التي حظيت بضوء أخضر أميركي.
وحيال هذا الدعم الأميركي والإجماع الإسرائيلي والدعم الشعبي الذي يحظى به نتنياهو, لا يستبعد المحللون سيناريو التصعيد على جبهة لبنان, وفقدان السيطرة في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق نار مع حزب الله, وأيضا على الجبهة مع قطاع غزة.
ويرى المحللون أن الإجماع الإسرائيلي على حرب لبنان الثالثة يحمل في طياته رسائل تصعيدية بالتلويح بالتوغل البري في جنوب لبنان, والسعي لحسم المعركة ضد حزب الله, وهو ما ينذر بتصعيد شامل بالشرق الأوسط.
ضرب وفصل
وقال الكاتب والمحلل السياسي سعيد زيداني إن العدوان الإسرائيلي الشامل على لبنان اتخذ بموجب قرار الكابينت الذي أعاد النظر بأهداف الحرب, بحيث أضيف إليها هدف إعادة النازحين الإسرائيليين إلى بلداتهم في المناطق الحدودية الشمالية.
وتساءل زيداني في حديث للجزيرة نت عن كيف تقدم إسرائيل على تحقيق هذا الهدف, في ظل التزام حزب الله المعلن بالربط بين جبهة غزة وجبهة لبنان؟ وهو ما يضع إسرائيل, بحسب المحلل السياسي "أمام تحديات على الجبهة الشمالية, بظل التزام المقاومة في لبنان بوحدة الساحات المساندة لغزة".
ويعتقد المحلل السياسي أن العملية العسكرية الإسرائيلية على لبنان تهدف إلى ضرب وتقويض قوة حزب الله العسكرية والصاروخية, وأيضا الفصل بين الجبهة اللبنانية وجبهة غزة, وهو ما يلزم الجيش الإسرائيلي بخوض مواجهة شاملة مع حزب الله
إجماع وخصام
وتعليقا على الرفض الإسرائيلي للمقترح الأميركي الفرنسي لوقف مؤقت لإطلاق النار, قال زيداني إن "أي قرار بهذا السياق لا يتماشى مع القرارات والأهداف المعلنة التي أقرها الكابينت, لن تقبل به إسرائيل".
وأشار إلى أن إسرائيل تصر على إلزام حزب الله تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701, وانسحاب قواته إلى ما وراء الخط الأزرق ونهر الليطاني جنوبي لبنان, والذي اتخذ عقب حرب لبنان الثانية في يوليو/تموز 2006, والفصل بين الجبهتين في لبنان وغزة, لضمان عودة النازحين الإسرائيليين.
وحيال هذه التطورات والمواقف التي عبر عنها الكابينت, يقول زيداني إن هذا الإجماع الإسرائيلي على الحرب على لبنان, يذكر بأن الأغلبية الساحقة الإسرائيلية كانت موحدة أيضا عشية العدوان على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأوضح المحلل السياسي أن هذا الإجماع الإسرائيلي بشأن حالة الحرب على لبنان, يعكس حس القبيلة المهددة, وكذلك تجمع أفراد القبيلة المتخاصمين أصلا قبل أحداث السابع من أكتوبر.
وأشار إلى أن هناك توافقا أكبر بين مختلف قيادات الأحزاب والتيارات والمعسكرات السياسية الإسرائيلية, وبضمنها أيضا المستوى العسكري والقيادات الأمنية حول خطر حزب الله, الذي يشكل وفقا لهذا التوافق والإجماع في تل أبيب "خطرا وجوديا على إسرائيل".
ائتلاف ومعارضة
الطرح ذاته تبناه المؤرخ والباحث بالشأن الإسرائيلي جوني منصور, الذي يعتقد أن الإجماع الإسرائيلي على الحرب على لبنان يندرج ضمن الإجماع على العدوان على قطاع غزة, الذي رافقه مطلب لعائلات المختطفين بوقف مؤقت لإطلاق النار لإبرام صفقة تبادل ومن ثم لتواصل الحكومة الحرب.
ويرى منصور في حديثه للجزيرة نت أن فكرة الحرب الشاملة راسخة ليس فقط لدى الائتلاف الحكومي, بل أيضا بأوساط أحزاب المعارضة, وهذا ما برز أيضا بنجاح نتنياهو في تسويق فكرة إعادة المستوطنين إلى بلداتهم في الشمال بواسطة الحرب والسعي للحسم مقابل حزب الله.
وقدر الباحث بالشأن الإسرائيلي أن القيادات العسكرية الإسرائيلية تعي جيدا, أنه ليس بمقدور الجيش حسم الحرب مع حزب الله, عبر الغارات والقصف الجوي الكثيف, ولا حتى بالتوغل البري في جنوب لبنان.
وشكك منصور في نجاعة الاجتياح البري بتحقيق مثل هذا الحسم, والذي يتم التلويح به إسرائيليا لممارسة المزيد من الضغوط للحصول على المزيد من الدعم العسكري والدبلوماسي من أميركا, التي تقف أصلا مع إسرائيل وتواصل إمدادها بالسلاح والدعم المالي والجهوزية اللوجستية بالبحر, وفي مختلف القواعد العسكرية لواشنطن في الشرق الأوسط.
سلوك وتورط
وفي قراءة للرفض الإسرائيلي لمقترح الهدنة المؤقتة على جبهة لبنان, أشار منصور إلى أن ذلك يعود إلى السلوك ذاته والنهج الذي اعتمده نتنياهو في مفاوضات صفقة التبادل ووقف إطلاق النار مع حركة حماس في غزة.
ونبه إلى أن القصف الإسرائيلي على لبنان والاغتيالات والغارات على الضاحية الجنوبية في بيروت يفيد نتنياهو مرحليا, حيث يتمادى بالترويج للعدوان على لبنان والضربات التي توجه إلى حزب الله أمام المجتمع الإسرائيلي على أنها "إنجازات تكتيكية".
ويعتقد أن التعنت الإسرائيلي والتوجه نحو التوغل البري سيعيد تل أبيب إلى وحل المعارك في لبنان خلال حرب 1982 التي امتدت حتى العام 2000, وكذلك إلى التورط بحرب جديدة على غرار حرب لبنان الثانية.
ويقول الباحث بالشأن الإسرائيلي إن "إسرائيل تواجه اليوم الجبهة الشمالية مع لبنان بواقع مختلف وأكثر تعقيدا, وذلك كون حزب الله يمتلك ترسانة عسكرية وقدرة صاروخية باليستية يمكن أن تصل إلى كل مكان في فلسطين التاريخية".
وخلص للقول إن "كل يوم من القتال بدون وقف لإطلاق النار سيورط تل أبيب أكثر, وسيخلق حالة من التوتر الإقليمي بالشرق الأوسط, لكن إسرائيل ومنذ نشأتها تعيش على المعارك والحروب, وهذا ما يفسر الإجماع على الحرب".