ذكرت صحيفة "The Hill" الأميركية أن "إسرائيل, في عملياتها التي استهدفت البنية التحتية للاتصالات التابعة لحزب الله, نجحت في تعطيل قدرة الحزب على تنسيق الهجمات بفعالية, الأمر الذي بعث برسالة قوية إلى المقاتلين المتمركزين على طول حدودها الشمالية. ومع ذلك, فإن هذه الحملة الأخيرة تثير تساؤلات حاسمة حول الأهداف الاستراتيجية الأوسع لإسرائيل. ولكن هل هذا الهجوم المركّز, من خلال الضربات على أجهزة "البيجرز" وأجهزة اللاسلكي ووسائل الاتصال الأخرى التابعة لحزب الله, مقدمة لهجوم بري أوسع نطاقاً, أم أنه مجرد محاولة لإعادة إرساء الردع دون التصعيد إلى حرب شاملة في لبنان؟" بحسب الصحيفة, "يعتمد حزب الله على تكنولوجيات اتصال بدائية نسبياً ولكنها بالغة الأهمية لتنسيق الأنشطة العسكرية عبر شبكته من المقاتلين ومراكز القيادة. ومن خلال استهداف قنوات الاتصال هذه, نجحت إسرائيل في شل هيكل القيادة والسيطرة لدى حزب الله, الأمر الذي جعل من الصعب على الحزب على نحو متزايد تنفيذ هجمات منسقة وإضعاف فعاليته العملياتية. ومن منظور ما, قد يُفسَّر هذا الهجوم باعتباره مرحلة مبكرة من حملة عسكرية إسرائيلية أوسع نطاقاً, ففي الحروب الحديثة, غالباً ما يشكل تعطيل قدرة العدوّ على التواصل الخطوة الأولى في التحضير لهجوم بري". ورأت الصحيفة أن "إسرائيل قد تستعد لغزو محتمل لجنوب لبنان من خلال جعل قيادة حزب الله أقل قدرة على إصدار الأوامر في الوقت الحقيقي وتنسيق الاستجابات. وسوف تكون العملية البرية أقل خطورة في ظل الفوضى التي تعيشها أنظمة القيادة والسيطرة لدى حزب الله. وفي غياب الاتصالات الفعّالة بين الوحدات الميدانية والقادة الرفيعي المستوى, فإن قدرة حزب الله على مقاومة الهجوم العسكري المركّز سوف تتعرض للخطر بشكل كبير. ومن ناحية أخرى, يمكن النظر إلى الضربات كوسيلة لتعزيز الردع وليس تمهيداً لحرب شاملة, فقد زادت إسرائيل من ضغوطها على حزب الله على مدى العام الماضي دون الالتزام الكامل بحرب برية, مما يدل على قدرتها على إلحاق أضرار جسيمة بالبنية الأساسية للحزب مع تجنب تكاليف العمليات البرية المطولة". وبحسب الصحيفة, "من هذا المنظور, تشير تصرفات إسرائيل إلى أنها مستعدة وقادرة على التصعيد إذا استفزها أحد, ولكنها تفضل عدم التصعيد إذا تراجع حزب الله. ومن خلال ضرب هذه الأهداف الاتصالية, ربما تصدر إسرائيل تحذيراً رادعاً قوياً: إن استمرار استفزازات حزب الله سوف يأتي بتكلفة غير مستدامة على نحو متزايد.
إن تعطيل اتصالات حزب الله يخدم غرضاً تكتيكياً واضحاً إذا كان هناك غزو واسع النطاق في الأفق". وتابعت الصحيفة, "تعزز الأنشطة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة هذا التفسير, فالغارات الجوية الإسرائيلية على قيادة قوة الرضوان النخبوية التابعة لحزب الله, فضلاً عن الاستعدادات العسكرية المتزايدة في المنطقة الشمالية, تشير إلى تحول استراتيجي. فقد ناقش كبار المسؤولين الإسرائيليين علناً الحاجة إلى التعامل مع حزب الله, وتشير تعبئة المظليين الإسرائيليين وقوات الكوماندوز إلى الجبهة الشمالية إلى أن القوات البرية تستعد للتصعيد المحتمل.فضلاً عن ذلك فإن مخزون حزب الله من الصواريخ الموجهة بدقة يشكل تهديداً كبيراً للبنية التحتية المدنية والعسكرية الإسرائيلية. وقد يكون تعطيل اتصالات الحزب خطوة ضرورية قبل إطلاق حملة برية استباقية تهدف إلى تحييد مواقع الصواريخ هذه. وفي غياب القدرة على التواصل وتنسيق الاستجابات بشكل فعال, فإن حزب الله سوف يجد صعوبة بالغة في نشر هذه الأسلحة في أي هجوم مضاد منسق". وأضافت الصحيفة, "من ناحية أخرى, ربما تعكس الضربات الإسرائيلية ببساطة استراتيجية تهدف إلى استعادة الردع دون مزيد من التصعيد. فمن خلال المساس الشديد بأنظمة الاتصالات التابعة لحزب الله, قد ترسل إسرائيل رسالة مفادها أنها تمتلك القدرة على تفكيك البنية التحتية التشغيلية للحزب مع تجنب المخاطر الهائلة التي تأتي مع الحرب البرية في لبنان. لقد انخرطت إسرائيل في عملية موازنة دقيقة, حيث أدارت تحركاتها العسكرية بعناية لتجنب استفزاز حزب الله إلى صراع أكبر, ومن خلال استهداف شبكات الاتصالات التابعة لحزب الله, ربما تؤكد إسرائيل هيمنتها في المنطقة من دون تجاوز العتبة إلى هجوم بري شامل مكلف سياسياً وعسكرياً. ويسمح هذا النهج لإسرائيل بإلحاق الضرر بحزب الله, وتعطيل قدرته على شن المزيد من الهجمات, وإظهار تكاليف العدوان المستمر".
وبحسب الصحيفة, "لقد كانت هذه الاستراتيجية المتمثلة في الردع المدروس حجر الزاوية في نهج إسرائيل تجاه حزب الله لسنوات. وفي حين تستهدف إسرائيل بشكل متكرر عمليات نقل الأسلحة وعملاء حزب الله الرئيسيين, فقد امتنعت إلى حد كبير عن الانخراط في النوع من العمليات البرية الضخمة التي قد تؤدي إلى إشعال حرب إقليمية أوسع نطاقا. ومن خلال التركيز على البنية التحتية للاتصالات التابعة لحزب الله, قد ترسل إسرائيل رسالة واضحة مفادها أنها ستصعد إذا لزم الأمر, لكنها تفضل عدم القيام بذلك إذا تراجع حزب الله".
ورأت الصحيفة, "إن ما يجعل الحملة الإسرائيلية الحالية جديرة بالملاحظة بشكل خاص هو الغموض الاستراتيجي الذي يحيط بها.فلا شك أن شل قدرة حزب الله على القيادة والسيطرة من شأنه أن يسهل غزواً برياً في المستقبل. ولكن هذه الضربات تخدم أيضاً كدليل قوي على التفوق العسكري الإسرائيلي وقدرته على تصعيد الصراع متى شاء, وبالتالي تعزيز الردع دون مزيد من التصعيد الفوري. إن هذا الغموض يسمح لإسرائيل بالحفاظ على أقصى قدر من المرونة في ردها على تصرفات حزب الله. وإذا استمر الأخير في شن هجماته عبر الحدود, فإن إسرائيل تستطيع أن تزعم أنها أظهرت بالفعل ضبط النفس وقد تقرر تصعيد الموقف إلى هجوم بري. وإذا قلل حزب الله من عدوانه, فإن إسرائيل تستطيع أن تزعم أنها حققت النصر في إعادة إرساء الردع دون أن تضطر إلى تحمل تكاليف ومخاطر الحرب الشاملة".
وختمت الصحيفة, "ما إذا كانت هذه الحملة مقدمة لهجوم بري أو مجرد وسيلة لتعزيز الردع يعتمد في نهاية المطاف على تصرفات حزب الله والديناميكيات المتطورة على طول الحدود اللبنانيةالإسرائيلية. وفي الوقت الحالي, يبدو أن استراتيجية إسرائيل هي استراتيجية الغموض المتعمد, وإبقاء خصمها خارج التوازن مع تعظيم خياراتها الاستراتيجية".