وجّه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان لمناسبة ولادة الرسول الأكرم محمد, رسالة إلى اللبنانيين والمسلمين عموماً من مكتبه في دار الإفتاء الجعفري, جاء فيها: "لأنه الروح المصطفاة التي تفرّد الله بها على نفسه, ولأنه المشيئة التي اختصّها الربّ بمكنون علمه ورضاه, ولأنه الرحمة المُهداة, والكلمة التي قامت بها السماوات, ولأنه أمينُ الآيات والذكر الحكيم, فقد توالت دعوة الأنبياء ولهاً له ولهفةً لزمانه, وقد حكى الله سبحانه وتعالى موطنَ دعوة إبراهيم الخليل لولده العظيم خاتم الأنبياء وسيد الرسل والأولياء محمد, وهو يرفعُ القواعدَ من أعظم وأرفع بيوت الله تعالى, فقال جلّ وعلا (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ). وبهذا أكّد الله على الخليقة عظمةَ نبيّه محمد, ودلّ على ما له من محلٍّ بعالم المواثيق, ومن عهدٍ عظيم أخذه الله على الأنبياء والأولياء, فضلاً عن أصل الميثاق المأخوذ على جوهر الكون وكنهِ الأرض والسماوات. وبالحيثية الأرضية, أراد الله أن يقول للخلائق: كمالُ الإنسان وغايةُ دوره الوجودي يمر بخاتم الأنبياء محمد (ص) كما أن مسارَ الوظيفة الكونية وعظمةَ اللقاء الأبدي للإنسان مع الله تمرّ بكلمة الله العليا التي اختصّ الله بها أعظم الخلق محمد. وفي هذا السياق, فإن دعوة إبراهيم الخليل (ع) أرادت أن تقول للخلائق: أصلُ الدينِ واحد, وأصلُ المواثيقِ واحدة, وأصلُ المهمةِ الربّانية للبشر واحدة, لتنتهي الى حقيقةٍ مفادُها: أن مهمة الانسان في الأرض واحدة, وهي تعني العائلة البشرية الواحدة, وهو صميم قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا), والتعارف يعني التعاون والتضامن والشراكة التي تعيدُ صياغة الشعوب ضمن إطار وحدةٍ بشرية متنوعة, على قاعدة المنافع والمصالح المشتركة التي تليق برعيّة الله والعائلة المتنوعة الواحدة, وهذا ما لم يلتزم به أكثر البشرية, ومعها تمرّد كثير من الخلق, وخاضوا في الأرض الإبادة والفظاعات والقتل والظلم, وفرعونياتُ الأرض في هذا المجال شكّلت المثال الدموي الجشع عن واقع الانسان الكفور, والأمسِ كاليوم, وسط فرعونية واشنطن الشيطانية التي عسكرت الأرض ووظّفت اقتصادَها الأكبر عالمياً بكل ما يلزم للحروب والدمار والنار والإبادة".
أضاف: "وما يجري في قطاع غزة, الأمرُ والنهيُ والترسانةُ والقرار فيه لواشنطن وخرائطِ قياداتها العسكرية, بدءاً من القيادة الاميركية الوسطى وانتهاءً بقائد أركان الجيوش الاميركية العام الذي يكاد يستوطن ما بين تل أبيب وشمال فلسطين على الحدود مع لبنان. وقصيرةٌ من طويلة, أقول: لله موقف عظيم يوم القيامة, فمن تأمركَ كان حظُّه من إبليس في ذلك اليوم, وما حظُّ إبليس يوم القيامة إلا غضبُ الجبّار ونقمته, وما أخطرَ موقف أكثر العرب والمسلمين يوم القيامة بتركهم لأهل غزة, فضلاً عن لعبهم دور الناطور لواشنطن التي تقود أكبر أدوار إبليس الدموية في الأرض. وعلى مستوى الجبهات: لا شك أنه لا قيمة للارتزاق السياسي, ولا شرف للجاليات الصهيونية التي تلعب دور الإعلامي والمثقّف السياسي والناشط الرخيص في البلاد العربية والإسلامية ومنها لبنان, فقط لتخدم مشاريع واشنطن وتل أبيب الإرهابية في غزة وغيرها, وهذا لا يزيدنا إلا وثوقاً بالله تعالى وعزيمةً على الجبهات السيادية".
وتابع قبلان: "وما يجري على حدودنا الجنوبية هي حرب لا سابق لها على الاطلاق, وقيمتها السيادية تساوي أصل وجود لبنان وتزيد, والمقاومة قيادةً وإدارةً وتنسيقاً وعدةً وعدداً ومراحل تجيد أكبر أدوار هذه الحرب بكل دقة. ولمن يهمه الأمر: المقاومة حتى اللحظة لم تستخدم ترسانتها التي أعدّتها للحرب المفتوحة, ولم نخف الحرب يوماً ولن نخافها وإمامُنا الحسين, ونحن أهلها وأبطالها إن شاء الله تعالى. وللبنانيين أحب أن أقول: لا حربّ مفتوحة في الأفق, لكنّنا (بعون الله تعالى) جاهزون لها وقادرون على مواجهتها, وذلك لأن إسرائيل مهزومة ولا تملك قدرةَ هذه الحرب, فيما المقاومة تملك قدرةَ تغيير الموازين بل هي قادرة على تغيير التاريخ إذا أخطأت إسرائيل الحسابات, ومع أي حرب كبيرة لن تبقى تل أبيب ولا حيفا ولا منصات غاز ولا محطات كهرباء ولا شبكات اتصالات ولا مطارات ولا موانئ ولا خزانات الامونيوم ولا منشآت عامة ولا قواعد عسكرية, كل ذلك لن يبقى خارج تسونامي الدمار غير المعهود, وإسرائيل تعرف هذه الحقيقة وتخشاها".
وأشار الى ان "غزة وفلسطين مصلحة سيادية وأخلاقية للبنان, ولا شرف أكبر من شرف إسناد غزة وتحقيق المصالح السيادية للبنان والمنطقة, ولا بدّ في هذا المجال من توجيه الشكر لصنعاء النخوة الأبية, ولحشد العراق, ولإيران التي تُعلِّم العالم معنى الإنسانية ومواثيق الشرف والدين وحقيقة الإسلام وجوهر الأديان, وزمن الهيمنة الأمريكية بطريقه للزوال, ولن نخرج من هذه الحرب إلا بما يليق بقامات الشهداء العظام, والنصر دوماً معقودٌ بنواصي المقاومين الأبرار. أما داخلياً: المحبة المسيحية توأم الرحمة المحمدية, والحق ميزان الربّ, وعدالة الموقف والخيار محنة الأديان, وإغاثة المحروم والمقهور والمعذّب والمظلوم وإدانة الطغيان والإجرام علامة دين الربّ, ونهج تعاليمه وأيقونة صراطه الذي لا يحيد".
وقال: "أيها الاخوة المسيحيون, نريد أن نعيش معاً, ولن نقبل إلا أن نعيش معاً, لا على طريقة العدد بل وفق عائلة الرب والوطن التي تتشارك آمالها وآلامها دون تمييز, والاستحقاق الرئاسي يمر بميثاقية هذه العائلة الوطنية, وسط بلد تتسابق إليه سواطير واشنطن وأشباحها التي تتربّص به الدوائر, فلن نقبل بخذلان المسيحية ولا بتضييع البلد, كما لا نقبل بالتفرّد الطائفي والاصوات الغارقة بالأحقاد, والحل بتسوية تليق بهذه العائلة الوطنية, والرئيس نبيه بري ضامن وطني وشخصية قادرة على ابتكار الحلول الجامعة, فقط المطلوب تبريد الرؤوس الحامية وإخراجها من جحيم الوهم القاتل, وما نريده أن يربح لبنان بكل مكوّناته, ولبنان بلد الشراكة والعائلة الوطنية لا بلد القطيعة والتقسيم. أعود وأؤكّد وللضرورة الوطنية: أن المذكرة العسكرية البريطانية مرفوضة, وحذارِ أن تمر, وحذارِ اللعب بسيادة ومصالح البلد, فزمن الاستعمار انتهى, ولن نقبل بأي استعمار جديد مهما كلف الأمر".
وختم قبلان: "قد أوصانا النبي محمد بالإنسانية خيراً, وخصّ المسيحية بالعطف واللطف والإيمان تماماً كما أوصى المسيح أتباعه المؤمنين بالخير للناس وطوّبَ ذلك بروح الإيمان. كل عام ولبنان وأهله بخير, ونصر وشراكة تليق بعظمة الربّ والبلد والانسان".