لم تأت الاحتجاجات الشعبية في الشارع, ومحاصرة السرايا الحكومية أمس لمنع انعقاد مجلس الوزراء من فراغ, أو من رغبة سياسية في استهداف حكومة تصريف الأعمال, بل جاءت نتيجة حتمية لخلو موازنة 2025 المسربة, من أي زيادات على رواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين في مختلف قطاعات الدولة.
محاصرة السرايا ليست الأولى, وهي صورة مكررة عن حصار سابق قام به المتقاعدون العسكريون, في شباط الماضي, في محاولة منهم لثني الحكومة عن إقرار موازنة 2024 التي غابت عنها الزيادات أيضاً.
بيد أن تسوية موقتة قضت يومها برفع الحد الأدنى للأجور, بالتوازي مع وعد حكومي, لم يبصر النور, بدرس التقديمات المالية لجميع العاملين في القطاع العام والعسكريين والمتقاعدين, قبل نهاية حزيران الماضي, والتحضير لوضع سلسلة رواتب وأجور جديدة تعيد تصويب الحقوق, وتضمن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لنحو 300 ألف موظف ومتقاعد وعائلاتهم.
مر حزيران, والحكومة لم تبادر إلى تصويب الخلل والاستجابة للمطالبات المتكررة من الموظفين والمتقاعدين. وقد يكون إنكفاؤهم عن الشارع, مراعاة للظروف الإنسانية والأمنية في الجنوب, شجع الحكومة على صم أذنيها, والذهاب نحو إعداد موازنة 2025 فارغة كسابقاتها من أي تعديلات أو تقديمات مالية, تستجيب فيها لصراخ الموظفين والمتقاعدين الذين يئنون من تضاؤل رواتبهم وتعويضاتهم, وخسارة ما أعدوا له طويلا, بالجهد والعرق والدم أحيانا, من استقرار وتقاعد هانئ.
نزل العاملون في القطاع العام والمتقاعدون إلى الشارع أمس, حاملين مطلبا يلاقي الحكومة وحقوقهم إلى منتصف الطريق.
فالحكومة أعدت كما سُرِّب لمنح الموظفين والمتقاعدين, أربعة رواتب استثنائية تدفع قبل نهاية السنة الجارية على دفعتين, ويقال إن تلميحا حكوميا برفعها إلى خمسة, قد بلغ مسامع المتظاهرين.
من هنا يستغرب متابعون لمجرى الأمور, كيف ترفض الحكومة منح الموظفين والمتقاعدين ما نسبته 40% من قيمة رواتبهم المحققة في 2019, فيما تقبل بمنحهم خمسة رواتب إضافية, نسبتها 41%, وهو ما يزيد على قيمة رواتبهم الحالية, وما يطالبون به!
ربما الأزمة ليست في الرواتب والأجور, بقدر ما هي أزمة ثقة تعمقت جذورها بين الدولة من جهة, ومواطنيها من جهة أخرى, وبين موظفين ومتقاعدين لا يجدون إلى حقوقهم المشروعة, ولقمة تقاعدهم ودوائهم ممرا غير التظاهر والصراخ في الشارع.
وفق مصادر بحثية, فإن الكلفة السنوية للأجور والرواتب لموظفي القطاع العام (من عسكريين وإداريين ومتقاعدين) مع تعويضات نهاية الخدمة كانت تقدر قبل الأزمة بنحو 6 مليارات دولار, أي 500 مليون دولار شهريا, أما حاليا فأصبحت 120 مليون دولار شهريا.
وفي حال تعديلها لتصبح 40% من رواتب عام 2019, كما يطالب به العسكريون المتقاعدون, فستتخطى الكلفة الـ200 مليون دولار شهريا, أي نحو مليارين ونصف مليار في السنة, ما يشكل أكثر من ثلثي الإيرادات المتوقعة في موازنة 2025, علما أن المعيار العالمي للإنفاق على الأجور هو الثلث حدا أقصى.
وفي حال شاءت الدولة دفع 60% من قيمة رواتب القطاع العام في الـ2019, فيعني ذلك أن كل إيراداتها ستذهب إلى بند رواتب وأجور, ولن يتبقى أي "فلس" للتقديمات الاجتماعية.
ووفق خطة أعدها مجلس الخدمة المدنية بالتنسيق مع المعنيين في الإدارات العامة لتعديل الرواتب والأجور, تطبق بالتدرج لمدة أربع سنوات, يمنح موظفو القطاع العام نحو 20 ضعف رواتبهم في 2019 كمرحلة أولى, على أن ترتفع بمعدل 8 رواتب سنويا لتصل إلى 46 ضعف راتب 2019 بعد 4 سنوات.
وكانت الخطة تفترض البدء بالتنفيذ اعتبارا من 1/1/2026, حيث من المتوقع أن تسمح إيرادات الدولة بتطبيقها.
ولكن الخطة علقت في انتظار قانون يصدر عن مجلس النواب بعد اقتراحه من الحكومة, وهو أمر لم يحصل.
قبل… وبعد
فما هي قيمة الرواتب قبل أزمة 2019؟ وكيف أصبحت حاليا (بنسب تقريبية)؟
الأسلاك العسكرية:
– العميد الذي لا يزال في الخدمة العسكرية كان يتقاضى قبل الأزمة 5000 دولار و20 صفيحة بنزين شهريا, في حين يتقاضى اليوم نحو 900 دولار مع المساعدات, إضافة إلى 20 صفيحة بنزين, أي أنه يتقاضى 9 أضعاف راتبه المحدد بـ 7 ملايين ونصف مليون, عدا عن المساعدة الاجتماعية وبدلات النقل, أي نحو 24% مما كان يتقاضاه قبل الـ2019.
– العميد المتقاعد, كان يتقاضى قبل الأزمة 4000 دولار و20 صفيحة بنزين, فيما يتقاضى حاليا 600 دولار و20 صفيحة بنزين.
– الجندي كان يتقاضى 1000 دولار قبل الأزمة. أما حاليا فيتقاضى مع النقل 30 مليونا, أي نحو 350 دولارا, إضافة إلى 100 دولار من المساعدة القطرية (خارج الموازنة).
– الجندي المتقاعد كان يتقاضى قبل الأزمة بين 800 و1200 دولار, أما حاليا فيتقاضى نحو 20 مليون ليرة, أي 225 دولارا.
– المعاون المتقاعد كان يتقاضى ما بين 1200 و 1700 دولار, أما حاليا فيتقاضى 350 دولارا.
موظفو الإدارة العامة:
– راتب المدير العام كان يصل قبل الأزمة إلى 6000 دولار, أما حاليا فأساس راتبه 700 دولار من دون بدلات المثابرة والإنتاجية التي تقدر أيضا بـ 700 دولار, ليصبح مجموع راتبه 1400 دولار.
– موظف الفئة الثانية كان يتقاضى 3500 دولار, والآن يتقاضى نحو 1150 دولارا مع بدلات النقل والمثابرة والإنتاجية.
– موظف الفئة الثالثة كان يتقاضى نحو 2500 دولار, والآن أساس راتبه 350 دولارا مع بدلات النقل والمثابرة والإنتاجية, ليصل إلى نحو 900 دولار.
سلوى بعلبكي ـ النهار