حين أطلق وزير التربية والتعليم العالي الدكتور عباس الحلبي العام الدراسي للتسجيل والأعمال الإدارية مطلع أيلول (سبتمبر) الحالي, كان يراهن وفقاً لوعود وتعهدات على تأمين المتطلبات الضرورية والتمويل اللازم للتمكن من حل المشكلات ومعالجة الملفات العالقة في المدارس ومطالب المعلمين. إعلان افتتاح العام الدراسي لم يخفف الحملات ومنها بمفعول رجعي على التربية, وبينها له خلفيات سياسية وطائفية خصوصاً في ما يتعلق باستيفاء رسم تسجيل في المدارس والثانويات الرسمية, 4 ملايين و500 ألف ليرة عن التلميذ اللبناني و9 ملايين عن كل تلميذ أجنبي, لتغذية الصناديق وتغطية عجزها, إضافة إلى استمرار السجال حول الامتحانات الرسمية التي أُنجزت في ظروف صعبة.
تبين لوزير التربية أن كل الدعم الذي يعلن سياسياً لتطوير التعليم الرسمي واستمراريته لا يصرف في حسابات القوى التي تتدخل في الشؤون التربوية وتغلّب مصالحها وتضغط من خلال نفوذها على كل خطوة إصلاحية تهدف إلى تحسين الوضع التربوي, إذ قامت القيامة على فرض رسوم تسجيل بمزايدات شعبوية من كل القوى تحت عنوان العدالة الاجتماعية حتى من المرجعيات, فيما يُحجب التمويل والدعم لتحسين أوضاع المدارس ودعم المعلمين الذين يشترطون رفع الانتاجية وحدها إلى أكثر من 600 دولار للبدء بالتدريس.
ثلاث سنوات مرّت على تسلّم الحلبي حقيبة التربية والتعليم العالي, بعد تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي, وها هو يواجه اليوم حقيقة تخلي الجميع عن التربية وإهمال التعليم الرسمي وأيضاً تفلّت غالبية الخاص, ليكتشف على أبواب العام الدراسي أيضاً أن الحكومة تتنصل من تحمل مسؤولياتها في حماية التعليم والجامعة اللبنانية وانتشالهما من الأزمات وتوفير الدعم له وتغطية ما أنجزه خلال السنوات الثلاث في ظل الصعوبات والمشكلات المعقدة, حتى وصل الأمر إلى اصطفاف وزراء ضد التربية, والمشاركة في حملات تقودها مرجعيات لحسابات سياسية لا تقف عند ملف محدد انما تطال القطاع كله للتنفيعات وللحفاظ على المحميات المعششة تاريخياً في التربية بما في ذلك المواقع والتعيينات.
وفق أجواء التربية أيضاً, يتنصل رئيس الحكومة من تعهداته في دعم التربية وتأمين الحد الادنى من التمويل لدعم المعلمين بالحوافز والانتاجية, ما يعني أن العام الدراسي الجديد مقبل على أزمات كبرى, وفي الوجه الآخر يرفع الأساتذة لواء المقاطعة, في ظل حجب الدول المانحة المساعدات والهبات والقروض, في الوقت الذي كان تمكن وزير التربية خلال عامي 2022 و2023 من تأمين تمويل خارجي ساهم في استكمال الدراسة وانجاز الامتحانات, إذ رغم التعثر لفترات تم الإيفاء بالموجبات لاستمرارية التعليم والحفاظ على المدارس.
لا يخفي وزير التربية ما اصاب القطاع من عثرات, فهو واجه الأزمات من دون تغطية, في وزارة تتعرض للضغوط والتدخلات, فضلاً عن التراكمات السابقة التي تحتاج إلى سنوات لحلها إذا توافرت إرادة سياسية تدعم الاصلاح, لكن الأمور وفق ما تبين أخيراً, ورغم السير بملفات كانت تتجاذبها المصالح والحسابات السياسية والطائفية, وبينها الشروع في اعداد مناهج جديدة, ما كان ممكناً خوض غمارها في ظل الحملات, لولا قرارات حاسمة تخطت الاصطفافات وان كانت تحتاج إلى متابعة وتدقيق.
يتجه الحلبي وفق المعلومات إلى الاستقالة أو التنحي, ضد ما يعتبره التآمر على التربية. فهو لم يأتِ إلى الوزارة حاملاً مشروعاً سياسياً, ليواجه مشاريع واصطفافات مقابلة, ولا يريد أن يشهد على انهيار القطاع في ظل التخلي عن التربية من الحكومة ومن قوى سياسية لا ترى في التربية إلا مصالحها ويتدخل بعضها للتنفيعات وتثبيت مراكز القوى. والتنحي ليس موجهاً ضد أحد وليس هدفه فرط الحكومة وليس لمصلحة سياسية, بل هو لرفع الصوت. فهل يفعلها أم تنتظم أمور التربية مجدداً؟
ابراهيم حيدر_ النهار