هل مات الحبّ أمّ أنّ مؤسّسة الزواج في لبنان باتت كواحدة من مؤسّسات الدولة التي تُنازع وتلفظ أنفاسها الأخيرة؟ ما يحصل في المجتمع اللبناني المحافظ نسبيّاً هو بالفعل ظاهرة, فالأسر تتفكّك, وحالات الطلاق الى ازدياد, وأدراج المحاكم الروحيّة تغصّ بالدعاوى. ولكن ماذا في الأرقام؟ وهل يختلف الأمر وفق الأديان والطوائف؟ وكم بات يُكلّف الطلاق في لبنان؟
يكشف المستشار في الأحوال الشخصيّة والأستاذ الجامعي في كليات الحقوق الدكتور أنطونيو فرح أنّ "نسبة الطلاق في لبنان تسجّل زيادة "مخيفة" بسبب عاملين أساسيّين, أولاً فترة "كورونا", وثانياً الأزمة الاقتصادية, فخلال هذه الفترة تفاقمت المشاكل بين المتزوّجين خصوصاً من الناحية الماديّة, وبدأت تتظهر انعكاسات هذه الحقبة بشكلٍ تصاعدي خلال السنوات اللاّحقة ليسجّل الطلاق نسبة قياسية في العام الحالي, وقد ارتفعت حالات الطلاق 20 في المئة عمّا كانت عليه قبل انتشار "كورونا" وهي آخذة بالارتفاع, في وقت نُسجّل تراجعاً كبيراً في نسب الزواج عند المسيحيّين, أما نسبة الزواج عند المُسلمين فتسجل ارتفاعاً ملحوظاً وكذلك الأمر بالنسبة للولادات لدى الديانتين".
أسباب نفسيّة وجنسيّة
ويشرح فرح في مقابلة مع موقع mtv أنّ "دعاوى الطلاق تقدّم لدى الطوائف الكاثوليكيّة بناءً على الأسباب النفسيّة بشكلّ عام لدى الزّوجين ما يوصل الى ما يُسمّى "بطلان الزواج", أما عند الأروثوذكس فالسّبب الأساسي في معظم الأحيان هو الإهمال الزوجي, أي عدم حصول علاقة جنسيّة بين الزوجين, وهنا يحصل "فسخ" للزواج, ولكنّ النتيجة هي ذاتها لدى مختلف الأديان والطوائف والشخص المطلّق يُصبح حرّاً, ويمكنه أن يتزوّج من جديد", مضيفاً: "بالنسبة للمحاكم الروحيّة, لدى الطوائف الأرثوذكسيّة, يحصلُ اتفاقٌ على المفاعيل الماديّة للزواج ويُترك أمر البتّ بفسخ الزواج أو الطلاق للمحكمة, وتتراوح المدّة بين شهرين و7 أشهر, أمّا في حال وجود نزاع بين الزّوجين, قد تصل مدّة الطلاق الى 3-4 سنوات, أمّا عند الكاثوليك والموارنة, طُبّق خلال فترة وجيزة ما يسمّى بـ"الإرادة الرسوليّة" في الدعاوى التي فيها حالات تُحتّم بطلان الزواج, وعلى أساسها تمّ ختم الكثير من دعاوى بطلان الزواج في مدّة قصيرة, ولكن من بعدها تمّ تجميد هذا الأمر بعد تعميم أصدره البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بناءً على رغبة أحد المطارنة, ما انعكس إطالة في مدّة عدد كبير من الدعاوى من جديد عند الموارنة في المحكمة الموحّدة, في وقت استمرّ الكاثوليك بتطبيق الإرادة الرسولية".
تسعيرة للمغتربين
ماذا عن الرّسوم؟ يُجيب فرح: "بالنسبة لرسوم دعوى الطلاق أو بطلان الزواج أو الفسخ, هناك شبهُ إجماع لدى المحاكم الروحيّة لتقاضي رسوم قد تصل الى 2000 دولار أميركيّ, وتزيد قيمة الرسوم في حال حصول استئناف في الدّعوى, أضف إليها أتعاب المحامي التي تختلف بحسب خبرته ومهارته, وهذا الأمر يُتَّفق عليه بين الوكيل والموكّل", مشيرا الى أنه "بالنسبة لأحكام النفقة التي تحصل عليها الزوجة التي لا تعمل, لأن الزوجة العاملة لا تحصل على نفقة, فيدفعها بالدّولار الأميركيّ الرّجل الذي يعمل في الخارج أو الذي يتقاضى راتباً بالدولار, أما الرّجال ذوي الدّخل المحدود من جراء الأزمة الاقتصاديّة, يتوجّب عليهم دفع نفقات تراعي أوضاعهم الماديّة, مع العلم أنّ النفقة تقتصر على الحاجات الملحّة التي هي المأكل والمشرب والملبس والمسكن والطبابة والاستشفاء والتعليم".
ويُردف فرح: "هناك أمرٌ مؤسف يحصل, إذ إنّ المحاكم باتت تعتمدُ تسعيرة خاصّة بالمُغتربين وتتقاضى منهم رسوماً أكثر وبالدّولار باعتبار أنّ وضعهم الاقتصادي أفضل من اللبنانيّين المُقيمين".
"مهزلة دكاكين"
وفي الختام, يُشدّد المستشار في الأحوال الشخصيّة على أنّ "الحلّ الوحيد في لبنان للانتهاء من هذه "مهزلة دكاكين الأحوال الشخصيّة" هو إقرار قانون للأحوال الشخصيّة موحّد وإلزاميّ يُطبَّق على كلّ اللبنانيّين, ويكون مرجعاً واحداً لهم ويُخضعهم بمختلف طوائفهم للحقوق والواجبات ذاتها, ويُصبح حينها الزواج الديني ذات قيمة روحيّة فقط لا قانونيّة, ولكن للأسف هذا الأمر شبهُ مستحيل في ظلّ النظام الطائفي والسياسي الذين نعيش تحت رحمته".
جيسيكا الحبشي _ mtv