كشف تحقيق أجرته "بي بي سي", أن أكثر من 700 شخص في المملكة المتحدة بحثوا في موقع إلكتروني مؤيد للانتحار عن أشخاص ليموتوا معهم.
وقالت "بي بي سي"؛ إن الموقع الإلكتروني يحتوي على قسم خاص, يمكن للمستخدمين البحث فيه عن شريك للانتحار.
وربط التحقيق العديد من حالات الانتحار المزدوج بـ"موضوع الشركاء", كما توصل إلى أن أولئك الذين يستغلون الضعفاء, يستخدمون هذا الموقع لاستهداف النساء الضعيفات.
وسردت "بي بي سي" قصة بريت الشاب ذي الـ 28 عاما, الذي سافر من مسقط رأسه في ميدلاندز إلى اسكتلندا لمقابلة امرأة كان قد تواصل معها عبر الموقع, حيث أنهيا حياتهما معا.
وقالت والدة بريت أنغيلا ستيفنز: "أفتقد كل شيء يتعلق ببريت, ابتسامته, وضحكته".
ومنذ وفاة ابنها, أمضت أنغيلا سنوات في البحث في المواقع المؤيدة للانتحار, وخاصة الموقع الذي فيه قسم الشركاء.
وتقول أنغيلا؛ "إنه مكان خطير للغاية", كما تقارنه بنسخة مظلمة من تطبيق المواعدة.
وأوضحت: "أين يمكنك أن تذهبي للبحث عن شريك حياتك لتنهي حياتك معه؟ إنه أمر شنيع للغاية".
ويشجع هذا الموقع المستخدمين على إنهاء حياتهم, ويقدم تعليمات حول كيفية القيام بذلك.
وتوصل التحقيق إلى وجود أكثر من 5 آلاف تعليق على الموضوع, من قبل أشخاص من جميع أنحاء العالم.
وخلص تحقيق أجرته بي بي سي في شهر آذار الماضي, إلى أن أكثر من 130 بريطانيًا ربما أنهوا حياتهم, بعد استخدام مادة كيميائية يروج لها الموقع.
وقام فريق بي بي سي بإنشاء حساب مجهول, وقام بتحليل عدد ومحتوى الرسائل.
وينشر الأعضاء أعمارهم وجنسهم وموقعهم وطريقة الموت المفضلة لديهم, بحثا عن أشخاص ليموتوا معهم.
وأعلنت ليندا شقيقة هيلين كايت, عن حاجتها إلى شريك في عام 2023, مضيفة أن هذا المنتدى "يستهدف الأرواح اليائسة, ويضعهم قسم الشركاء على طريق الموت الذي لا مفر منه".
وكتبت ليندا: "أنا امرأة, أبلغ من العمر 54 عاما, وأقيم بالقرب من لندن, أستطيع السفر وأستطيع دفع تكاليف الإقامة في فندق, ومن الواضح أنه سيكون من الجيد أن نتحدث أولا".
وتواصلت ليندا مع رجل من خلال قسم الشركاء, والتقت به في فندق في رومفورد شرق لندن.
وقد تناولا مادة كيميائية سامة وماتا معا في 1 تموز من عام 2023.
وتقول هيلين؛ إنه تم العثور على ليندا "ملقاة بجوار جثة شخص غريب تماما".
وتعتقد أن "الضحايا الأبرياء الذين يبحثون عن الدعم, يقعون كل يوم في فخ المنتدى, دون عائق من السلطات".
وقالت؛ إن ذلك يسبب "بؤسا ومعاناة لا يمكن وصفهما لأولئك الذين تركوهم وراءهم".
ففي أيلول من عام 2023, ذهبت أخت هيلين الأخرى سارة - التي دمرتها خسارة ليندا - إلى المنتدى أيضا, وتناولت المادة الكيميائية السامة نفسها وماتت.
وأشار التحقيق إلى أن الأشخاص الذين يستغلون الضعفاء, يستخدمونه لاستهداف أولئك الضعفاء الذين يفكرون في الانتحار, وخاصة النساء.
وفي عام 2022, استمعت محكمة في غلاسكو إلى كيفية استجابة كريغ ماكينالي, البالغ من العمر 31 عاما, لسلسلة من المنشورات في قسم الشركاء, التي نشرها شابات يبحثن عن شخص يمتن معه.
وقال التحقيق؛ إن ماكينالي أقنع إحداهن, وهي امرأة هشة تبلغ من العمر 25 عاما بالحضور إلى شقته و"الإقدام" على الانتحار, لقد خنقها ماكينالي مرارا وتكرارا إلى الحد الذي فقدت فيه وعيها.
وتم القبض على ماكينالي في منزله, حيث تبين أنه قدم "نصائح ومساعدة" مماثلة لشابات أخريات حاولن الانتحار.
لقد التقى بهن جميعا في قسم الشركاء, وكان من بينهن الطالبة الرومانية روبرتا باربوس, البالغة من العمر 22 عاما.
وفي الرسائل التي اطلعت عليها بي بي سي, قال ماكينالي لروبرتا؛ إنه يتمتع "بخبرة هائلة", ووعد بأن يكون معها "طوال الطريق".
والتقت ماكينالي مرة واحدة ثم رفضت رؤيته مرة أخرى, لكنها انتحرت بمفردها في شباط من عام 2020.
وقالت ماريا باربوس, والدة روبرتا: "يبدو الأمر وكأنه من فيلم رعب, من عالم آخر, لم أصدق أن مثل هذا الموقع موجود, إنهم عقول مريضة".
وصدر أمر تقييد مدى الحياة على ماكينالي, وهو حكم مخصص في اسكتلندا لأخطر حالات الجرائم الجنسية والعنيفة, باستثناء القتل, ويشمل هذا القرار الخاص بماكينلي الحُكم عليه بالسجن لمدة لا تقل عن عامين وثلاثة أشهر, والمراقبة لبقية حياته.
ووجد التحقيق أنه خلال العامين الماضيين, سافر بعض مستخدمي المنتدى إلى الخارج لمقابلة شركائهم, حيث علم التحقيق بحالتين حيث سافر رجلان من الولايات المتحدة إلى المملكة المتحدة للقاء, و"مساعدة" نساء شابات في خططهن للانتحار.
وفي إحدى الحالات, سافر رجل من ولاية مينيسوتا إلى المملكة المتحدة بالطائرة, وأقام في فندق لأكثر من أسبوع مع امرأة تبلغ من العمر 21 عاما, التقى بها عبر الموقع.
في اليوم الحادي عشر من مشاركتها غرفة الفندق, تناولت الشابة مادة كيميائية سامة وتوفيت.
وزعم الرجل أنه كان نائما عندما تناولت المادة, واتصل بخدمات الطوارئ عندما أدرك ما فعلته.
وتم اعتقاله واستجوابه من قبل الشرطة, ولكن تم إطلاق سراحه دون توجيه تهمة إليه, وسُمح له بالعودة إلى وطنه.
وفي حالة ثانية, يُعتقد أن رجلا من فلوريدا قام بترتيب لقاء مع أربعة أشخاص كان قد تواصل معهم عبر الموضوع, أحدهم في المملكة المتحدة.
وقدمت الحكومة المحافظة السابقة قانون السلامة على الإنترنت في عام 2023, الذي قالت؛ إنه سيسمح للهيئة التنظيمية أوفكوم بالتحرك ضد الموقع.
وتقول الحكومة العمالية الجديدة؛ إنها ملتزمة بالقانون الجديد, و"عازمة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذا الضرر عبر الإنترنت".
ونقل التحقيق عن أحد المتحدثين باسم الحكومة: "نريد أن نضع هذه الحماية الجديدة موضع التنفيذ في أقرب وقت ممكن".
وتقول جولي بنتلي, الرئيسة التنفيذية لجمعية خيرية هي ساماريتنز؛ إن القانون لن يمنع الضرر إلا إذا كان له قوة حقيقية, حيث: "يتعين على الحكومة وهيئة الاتصالات ضمان تنظيم المنصات الصغيرة, التي تشكل خطورة كبيرة على الجمهور إلى أقصى حد يسمح به القانون".
ولا تزال هيئة الاتصالات البريطانية (أوفكوم) تجري مشاورات بشأن أفضل السبل لتطبيق القانون, الذي لن يدخل حيز التنفيذ حتى نهاية هذا العام.
وتعترف الهيئة التنظيمية بأنه نظرا لصغر حجم الموقع ومقره في الولايات المتحدة, فسيكون "من الصعب للغاية" اتخاذ إجراء قانوني ضده.
عربي 21