يجمع الخبراء والمتابعون وحتى المقربون من بعض الدوائر في "حزب الله" على ان الغارات الجوية الاسرائيلية على البقاع في اليومين الماضيين ليست كسرت لقواعد الاشتباك, خصوصا ان ما يتم استهدافه ليس معروفاً, اذ يظن كثيرون انه صواريخ غراد وليس من الاسلحة الاستراتيجية. وعليه فإن قيام اسرائيل بهذا التصعيد لا يهدف بالضرورة الى فرض مستوى جديد من التصعيد وفتح ابواب توسيع النطاق الجغرافي للمعركة الحاصلة منذ الثامن من تشرين الول الماضي, ولعل ردّ الحزب على هذه الاستهدافات ضمن القواعد المعمول بها في السابق, وتحديداً معادلة الجولان في مقابل بعلبك خير دليل على مستوى هذه الاستهدافات.
من الواضح أن إسرائيل, وبالرغم من تقدمها بالنقاط السياسية, ووضعها المحور ككل أمام أزمة أخذ القرار بالردّ وبمستواه, في ظل وجود الحشد العسكري الاميركي في البحر المتوسط والمنطقة عموماً, الا أن المستوى العسكري والسياسي يترقب الردّ ويعيش في حالة من التخبط لعدم علمه بكيفية حصول الضربة الإيرانية أو حتى ضربة "حزب الله", لذلك فإنه يسعى الى جرّ اعدائه في المنطقة الى السيناريو الذي يتمناه هو, ان كان مستوى الردّ او توقيته, او حتى طبيعته, لذلك فإن الوثبات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي, تبدو شكلية أكثر من كونها تحولا فعليا في مسار الحرب العسكرية القائمة...
تقول مصادر مطلعة أن اسرائيل تريد ردع "حزب الله", اذ ان الضغوط التي تتعرض لها تل ابيب ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو, وان كانت لا تؤدي الى وقف الحرب على قطاع غزة, لكنها ستحسم فكرة منع الرجل من فتح معركة كبرى وشاملة في المنطقة بعد الردّ الايراني او ردّ "حزب الله". وعليه فإن حفاظ نتنياهو على صورة النصر التي حققها بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران والقائد العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت يستوجب منع الردّ او التخفيف من حجمه وقوته, كي لا يسيطر المحور على صورة المنتصر وصاحب الضربة الأخيرة والقوية.
تعتبر المصادر أن ايحاء اسرائيل بأنها تعرف عددا كبيرا من مخازن السلاح قد يكون جزءا من الخداع, خصوصاً أنها قد تكون تقوم بإستهداف ما تعرفه من هذه المخازن وبشكل متدرج, كما ان تل ابيب تريد رفع مستوى حربها النفسية لان ذلك يؤثر بشكل كبير على بيئة "حزب الله" وعلى الحزب نفسه الذي لا يستطيع حتى الآن التأكيد للرأي العام ان ما تقوم اسرائيل بقصفه ليس بالغ الأهمية او ان الخروقات التي تقوم بها بسيطة ويمكن معالجتها, وعليه فإن ما يحصل جزء من المعركة النفسية وليس فقط الميدانية, حيث يظهر الحزب كمن فقد ميزة السرية والقدرة على السيطرة على ميزان التصعيد..
وتقول المصادر أن هذه الاستهدافات ستستمر وان بوتيرة مختلفة, علماً أن الحزب لم يذهب حتى اليوم الى رفع سقف استهدافاته, نوعياً او حتى جغرافياً, وقد يكون الامر عائداً الى ترك كل المفاجآت وعمليات التصعيد الى مرحلة ما بعد الردّ وذلك لتحقيق صدمة نفسية مضادة للمستوى السياسي والعسكري والشعبي الاسرائيلي.
اذا هي ايام حاسمة وقد تكون قاسية خصوصاً ان التصعيد لم يبدأ بعد, اذ لا تزال الامور مضبوطة في حين تنتظر الاطراف بعضها البعض لرفع سقف الاشتباك..