أثار تصريح الأمين العامّ لـ"حزب الله" حسن نصرالله بشأن تحييده إيران وسوريا عن الحرب الدائرة في غزة جدلاً في الداخل اللبنانيّ وخصوصاً من قبل مُعارضي إقحام البلاد في النزاع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ. ولكن هناك بعض الأسباب التي دفعت "السيّد" إلى الإدلاء بهذا الكلام لما تُمثّله طهران ودمشق من أهميّة كبيرة في دعم جهود الفصائل المُقاومة إنّ عبر الأسلحة وإنّ عبر الوقود والأموال والمواد الغذائيّة
وحتّى الآن لا تزال الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة تستهدف إمّا شخصيّات من "حزب الله" أو إيرانيّة داخل العمق السوريّ, وإمّا شاحنات أسلحة آتية من إيران إلى سوريا لنقل العتاد إلى "المُقاومة" في لبنان. وقد شّكلت دمشق جسراً بين طهران و"الحزب" لسنوات عديدة, وإقحام العدوّ الإسرائيليّ سوريا في الحرب يعني زيادة قصف الاراضي السوريّة بوتيرة كبيرة, وخصوصاً استهداف أيّ شاحنة أو سفينة أو سيارة يُشتبه بأنّها تحمل مُساعدات ماليّة أو غذائيّة أو عسكريّة لمقاتلي "حزب الله".
وتجدر الإشارة إلى أنّ تقارير تحدّثت أنّ "الحزب" بدأ يستقدم أنواعاً جديدة من الصواريخ من إيران تُنقل له من سوريا إلى لبنان بعد زيادة إسرائيل تهديداتها بشأن رغبتها بشنّ عمليّة عسكريّة في الجنوب اللبنانيّ. ولا يُخفى على أحد أنّ سوريا هي عامل إسناد مهمّ جدّاً لـ"المُقاومة الإسلاميّة" ليس بالتدخّل العسكريّ وإنّما بإيصال الأسلحة الإيرانيّة والروسيّة إلى "حزب الله".
كما أنّ سوريا ورئيسها بشار الأسد هما عنصران أساسيّان في "محور المُقاومة", فدمشق أصبحت مركزاً مهمّاً للحرس الثوريّ الإيرانيّ الذي يقوم بالتنسيق مع كافة الفصائل إستخباراتيّاً لتوجيه ضربات مدروسة ومُؤلمة ضدّ أهداف إسرائيليّة في فلسطين المحتلة وفي الجولان المحتلّ.
إذاً, يُعتبر دخول سوريا أو بالأحرى إقحامها في أيّ نزاع مسلّح خطوة سلبيّة جدّاً على "حزب الله", وأيّ حربٍ مستقبليّة لن تكون دمشق على الحياد فيها, لأنّ إسرائيل ستعمد إلى مُحاصرة "الحزب" ليس فقط جويّاً أو بريّاً أو بحريّاً في لبنان, وإنّما أيضاً ستقوم بتشديد الخناق على المناطق السوريّة لمنع وصول أيّ مُساعدة إلى لبنان تستفيد منها "المُقاومة" في معاركها.
وإذا كانت سوريا تُعتبر معبراً بين إيران و"حزب الله", فإنّ طهران هي المُوردّ الأوّل للسلاح إلى "الحزب" في لبنان, وقد أشار نصرالله إلى أنّها ليست مدعوة إلى الدخول مباشرة في معارك الإسناد أو في حربٍ موسّعة مع العدوّ الإسرائيليّ, لأنّ هذا الأمر سيدفع الحرس الثوري والجيش الإيرانيّ إلى استخدام سلاحه ومخزونه ضدّ تل أبيب, بدلاً من إرساله إلى حلفائه في اليمن والعراق وسوريا وفلسطين وبشكل خاص إلى لبنان, حيث "المُقاومة الإسلاميّة" هي أبرز طرفٍ مُساند لـ"حماس", وهي الوحيدة القادرة على تهديد أمن إسرائيل بطريقة خطيرة.
وفي هذا السياق أيضاً, يُفهم من كلام نصرالله أنّه من مصلحة كافة الفصائل المُقاومة بقاء إيران وسوريا على الحياد, من دون أنّ يعني هذا الأمر عدم إستخدام الأراضي السوريّة والإيرانيّة لتنسيق الهجمات على إسرائيل. في المقابل, فإنّ الحكومة الإسرائيليّة تُدرك أهميّة كلٍّ من دمشق وطهران بالنسبة لـ"حزب الله", وهي تُشير بشكل دائم إلى أنّه يتوجّب التحرّك مع أميركا ضدّ إيران لما تُشكّله من عامل إسناد لكافة الفصائل المُقاومة التي تُهدّد أمن ووجود إسرائيل في المنطقة والمصالح الأميركيّة, إضافة إلى أنّه من دونها لما كان "الحزب" قويّاً في لبنان, ولما كانت "حماس" استطاعت الحصول على العتاد الذي سمح لها بالتخطيط وبتنفيذ هجوم 7 تشرين الأوّل, ولما كان للحوثيين القدرة على شلّ حركة السفن التجاريّة في البحر الأحمر.