يواصل كل قطاع من قطاعات الدولة صموده بمواجهة السيناريوهات المفتوحة لحرب شاملة. وفي موازاة ارتفاع منسوب القلق والترقب من الساعات المقبلة, يعيش المواطن اللبناني والمعنيون هواجس منطقيّة تُحاكي الواقع, وتدحض المغالطات والتأويلات في مسألة انقطاع الأدوية.
يعيش اللبنانيون هاجس الحرب على صعيد الأمن الغذائيّ والدوائيّ, وتعود تجربة حرب الـ2006 إلى ذاكرتهم خوفاً من تكرار أحداثها بقصف المطار وفرض حصار شديد على الموانىء البحرية, في حين يخرج المسؤولون في الحكومة إلى العلن في محاولات تطمين بأن "السلع والأدوية متوافرة لأشهر" ولا خوف من أيّ انقطاع.
وينطلق المعنيون من المخزون الاحتياطيّ للدواء المتوافر لدى مستوردي الأدوية كما لدى مصانع الأدوية اللبنانية. وفي هذا الصدد, يؤكّد نقيب مستوردي الأدوية جو غريّب في حديثه لـ"النهار" أن المخزون الاستراتيجي أو العام المتوافر عند المستوردين يكفي لمدة 4 أشهر, والمخزون الموجود في صيدليات المستشفيات يكفي لمدة شهر ونصف, مما يعني أن مخزون الأدوية في البلد يخدم لخمسة أشهر ونصف. أما بالنسبة إلى الأدوية الخاصّة بمعالجة مصابي الحروب فهي متوافرة بكثافة".
إذن, لا خوف من انقطاع الأدوية المزمنة والمستعصية إذا اندلعت الحرب المتوقعة في إطارها التقليدي. لكن ما يتخوّف منه غريّب ويعتبره ضربة موجعة "يتمثل بفرض حصار جويّ وبحريّ يصعّب عملية الاستيراد. وفي النزاعات العسكرية أو المواجهات العسكرية, تلجأ الدولة إلى التواصل مع المنظّمات الأمميّة لوضع ممرّات آمنة للموادّ الأوليّة الأساسيّة, ومنها الدواء".
من جانبه, يشير نقيب الصيادلة جو سلّوم إلى أن المشكلة تكمن في أدوية الأمراض المستعصية (أدوية السرطان وأدوية التصلّب اللويحيّ), التي نعاني شحاً كبيراً بها, وانقطاعاً في السوق اللبنانية, لكونها ما زالت مدعومة, وليست ضمن الأدوية التي تُصرف في الصيدليّات, والتي هي متوافرة بشكل طبيعيّ, والتي تعتمد على الصناعة المحليّة وعلى الاستيراد".
لا شكّ في أن مرضى السرطان, الذين يعانون من انقطاع الأدوية مراراً, هم في دائرة المخاوف إذا توسّعت الحرب. وهنا, يرى وزير الصحة في حديث سابق لـ"النهار" أنه بعد المناقصة الأخيرة, التي أجرتها الوزارة, "بات الاعتماد على مدى عام. وهناك كميّة كبيرة إمّا وصلت أو هي في طريقها. وفي الفترة الأخيرة تمكنّا من تلبية عدد كبير من المرضى مقارنة بالفترة السابقة, ومع وصول الأدوية المرتقبة سيكون وضع المرضى أفضل".
وتحسباً لأيّ سيناريو محتمل, اتصلت نقابة مستوردي الأدوية ببعض الشركات اللوجتسية في قبرص والإمارات لتأمين الأدوية المزمنة والمستعصية, سواء عن طريق الإمارات أو قبرص, بشرط أن يتفق طرفا النزاع على تأمين ممرّ آمن. وتكمن أهمية هذه الاتصالات بتجميع احتياجات البلد في مكان واحد, واستيراد ما يلزم بأقلّ تكلفة ممكنة, بدل أن يكون لكل مستورد طلبيّته الخاصّة في بلد معيّن".
وعليه, يتمنى غريّب تحييد ملف الدواء عن حرب الشائعات, لأن خطورتها تكمن في إحداث أزمة غير موجودة. ويسترجع ما حدث في الأزمات السابقة حين كانت عملية الاستيراد متوقفة نتيجة نقص التمويل, أو لأن إمكانيات المالية غير متوافرة. أمّا اليوم فالوضع مختلف, إذ يُسلّم المصنعون البضاعة المطلوبة, ويُعيد المستوردون بناء مخزوناتهم منذ 9 أشهر, وليس منذ أسبوعين.
في موازاة ذلك, استلمت وزارة الصحة أطناناً من المستلزمات الطبية المخصّصة لمعالجة إصابات الحرب, بهدف دعم القطاع الصحي وتمكينه وتجهيزه, لاستقبال العدد الأكبر من المصابين, إذا توسّعت رقعة الحرب, وطال الاستهداف الإسرائيلي العاصمة بيروت.
ما يتخوّف منه سلوم هو أن نشهد إقفالاً للطرقات, وقطعاً لطرق الإمدادات لإيصال الدواء, في ظل غياب خطة طوارىء تُحاكي هذه الهواجس. وعليه, إذا اندلعت حرب شاملة فقد نواجه صعوبة في الحصول على الأدوية خارج لبنان, لا سيّما الأدوية المدعومة التي نعاني بسبب قلّتها بالأساس حتى قبل اندلاع الحرب.
فهل تهدّئ التطمينات قلق اللبنانيين تجاه انقطاع الأدوية وتكرار سيناريو الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلد منذ 4 سنوات, حين دفع البعضُ ثمن احتكار البعض للدواء بالتهافت الكبير لشراء كميّات كبيرة خوفاً من انقطاع الدواء, فيما استغلّ التجار الأزمة لبيع الأدوية في السوق السوداء بأسعار مرتفعة جداً؟