احتاط حزب الله جيدا لمعركة الاستنزاف الطويلة مع اسرائيل عقب غزوة السابع من اكتوبر, وأعطت قيادته العسكرية التوجيهات لآلاف العناصر بضرورة التفرغ شبه التام للمعركة وترك الاعمال الاخرى من أجل مواجهة الحرب المصيرية التي تطرق أبواب الحزب وتشكل خطرا على وجوده.
في الشكل, ثمة شبه كبير بين اسرائيل وحزب الله في هذه الحرب. الاولى شعور الطرفين بأن معركتهما وجودية, الامر الذي يدفعهما الى التفرغ التام لها والاستعداد لجولات عسكرية كبيرة تحفظ وجودهما, والثانية وهي تاريخية مرتبطة بعسكرة العناصر, فإسرائيل تُعتبر مجتمعا عسكريا كذلك حزب الله الذي تحول بدوره الى مجتمع عسكري, على عناصره ان يكونوا في صفوف الاحتياط طيلة مسيرتهم الجهادية "باستثناء النساء" المُبعدات عن العسكرة لاعتبارات دينية عقائدية.
مع تطور نسق الحرب, بات من المؤكد اننا انتقلنا الى مرحلة جديدة دخلت فيها أسلحة ثقيلة من كلا الطرفين وهي مرحلة ستكون اقسى من المراحل السابقة من حيث نوعية السلاح المستخدم وبنك الاهداف المحدد. من الجهة اللبنانية وفي اطار السياسية الوقائية طلب الحزب من بيئته افراغ المناطق التي تدخل ضمن النطاق الاحمر أي المناطق الساخنة والتوجه نحو مناطق أكثر أمانا. وعلى عكس ما جرى في غزة مع توغل القوات الاسرائيلية داخل القطاع حيث توجه الاهالي من شمال القطاع الى جنوبه, بدأ اللبنانيون رحلة التوجه نحو المناطق الشمالية البعيدة عن الصراع. ونشهد منذ ايام هجرة كبيرة من الضاحية الجنوبية لبيروت نحو مناطق المتن وكسروان وطرابلس وصولا الى عكار تبعا لقدرة الاهالي على فاتورة الايجار, اذ يعتبر المتن وكسروان وجبيل للطبقات الميسورة من البيئة الشيعية فيما تجذب طرابلس وعكار اصحاب الدخل المحدود.
وعلى الصعيد الحزبي, ثمة تواصل منذ اسابيع بين حزب الله وقيادة الاشتراكي في الجبل لتأمين الدعم لجمهور الحزب النازح, وقد تم وضع خطة طوارئ من قبل الجمعيات التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي لاحتواء أي طارئ في حال اندلعت الحرب في الجنوب والضاحية, مع الاخذ في عين الاعتبار حساسية الجبل خصوصا وأن الاسرائيلي وضع بنك اهداف لمسؤولين في الحزب على غرار غزة, ويخشى اللبنانيون أن تتواجد تلك الشخصيات في مناطق مأهولة يتم قصفها كما حصل في مخيم النصيرات في رفح وغيرها من الأماكن المأهولة حيث تم استهداف المسؤولين في حماس مع العائلات والاطفال.
ومع تواجد حزب الله في عكار وبقوة من خلال تحالفاته المناطقية هناك لاسيما مع الجماعة الاسلامية وبعض القوى السنية, من المرجح ان نشهد حركة نزوح كثيفة في حال توسعت رقعة المواجهة نحو الشمال اللبناني في مناطق طرابلس الكورة زغرتا الضنية وصولا الى عكار, لأن طبيعة المواجهة بحسب مصادر الحزب تفرض الاحاطة بجميع السيناريوهات بما فيها النزوح الكثيف من الجنوب والضاحية نحو المناطق الأكثر أمنا.