لا يُداري يحيى السنوار, الذي أعلنت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) اليوم اختياره رئيساً لمكتبها السياسي, خلفاً لإسماعيل هنية, والعقل المدبّر لعملية "طوفان الأقصى", الأكثر دموية على اليهود منذ المحرقة (الهولوكوست), رغبته في توجيه ضربة قوية لإسرائيل التي سجنته نصف عمره منذ أن شبّ عن الطوق.
وكان السنوار قد قال أمام حشد في غزة في كانون الأول 2022 إنّ حماس ستغرق إسرائيل "بطوفان" من المقاتلين والصواريخ.
وقال السنوار في كلمته إنّه سيغرق إسرائيل "بطوفان هادر وصواريخ دون عد, وبطوفان جنود دون حد, وبملايين من أمتنا مدّاً بعد مدّ".
وبعد أقل من عام, اكتشفت إسرائيل أن هذا لم يكن مجرد تهديد أجوف, بعد أن اخترق مقاتلو "حماس" في السابع من أكتوبر, سياج غزة, وقتلوا نحو 1200 شخص إسرائيلي, واحتجزوا أكثر من 200 كرهائن, محطّمين سُمعة إسرائيل "كعدو لا يُقهر".
وبدأ السنوار (61 عاماً), الذي كان يشغل منصب رئيس الحركة في قطاع غزة, عمله في حركة "حماس" كمنفّذ صارم للقواعد عاقب وقتل المتعاونين مع إسرائيل, قبل أن يرتقي إلى دور قيادي بعد إطلاق سراحه من السجن في عام 2011 وعودته إلى غزة.
وتسبّبت الحرب التي اندلعت عقب هجوم السابع من أكتوبر في تدمير قطاع غزة, بينما تسعى إسرائيل لـ"القضاء على حماس". ويتصدّر السنوار قائمة الأشخاص الذين تسعى إسرائيل لاغتيالهم خلال الحرب.
وفي وقت إلقاء الكلمة في كانون الأول 2022, كان السنوار ومحمد الضيف, القائد العام لـ"كتائب عز الدين القسام", الجناح العسكري لـ"حماس", قد وضعا بالفعل خططاً سرّية لهجوم "طوفان الأقصى". واعتبرت "حماس" الهجوم انتصاراً كبيراً ضدّ الاحتلال الإسرائيلي, لكنّه قوبل بإدانة من المحكمة الجنائية الدولية.
وقال المدعي العام للمحكمة إنه طلب إصدار أوامر اعتقال في حقّ السنوار والضيف وشخصية أخرى من
"حماس" بشأن الهجوم, وكذلك بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نينتناهو ووزير دفاعه بشأن رد إسرائيل الذي حوَّل أغلب قطاع غزة إلى أنقاض.
ورفضت كلّاً من إسرائيل و"حماس" الاتهامات, وقالتا إنهما اعترضتا على الطريقة التي بدا بها إعلان الطلب في نفس اليوم وكأنه يساوي بينهما - على الرغم من أنهما يواجهان اتهامات مختلفة.
ولم يظهر السنوار علناً بعد هجوم السابع من أكتوبر, لكنّه يدير العمليات العسكرية مع الضيف وقائد آخر. كما أنّه قاد مفاوضات مبادلة السجناء والرهائن من أنفاق تحت الأرض في غزة.
وقال رهائن مفرَج عنهم إنّهم شاهدوا السنوار في الأنفاق في الأيام التي تلت الهجوم, فيما لم تُعلّق حماس والمسؤولون الإسرائيليون علناً على ما تردَّد عن رؤيته.
وتعتبر مسألة الرهائن وتبادل المحتجزين شديدة الخصوصية للسنوار الذي كان واحداً من 1027 فلسطينيا أُطلق سراحهم من السجون الإسرائيلية في مبادلة بجندي إسرائيلي واحد احتُجز في غزة عام 2011. وتعهَّد بإطلاق سراح جميع الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل.
"يعيشون في الوقت الضائع"
انتخب السنوار, المولود في مخيم خان يونس للاجئين, زعيماً لحركة حماس في غزة في عام 2017. ومنذ السابع من أكتوبر, تعتبر إسرائيل أنّ السنوار وغيره من القادة "يعيشون في الوقت الضائع", بحسب قول وزير الدفاع يوآف غالانت.
وقبل سجنه, كان السنوار رئيساً لجهاز الأمن والدعوة "مجد" الذي تعقَّب وقتل فلسطينيين متّهمين بالتعاون مع المخابرات الإسرائيلية.
ويتّفق قادة "حماس" والمسؤولون الإسرائيليون الذين يعرفون السنوار على إخلاصه الهائل للحركة.
ووصفه أحد رموز حماس المقيمين في لبنان بأنّه "متزّمت ويتمتع بقدرة مذهلة على التحمّل".
وقال مايكل كوبي, المسؤول السابق في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) الذي استجوب السنوار لمدة 180 ساعة في السجن, إنه كان له حضور واضح بسبب قدرته على الترهيب والقيادة. وسأل كوبي ذات مرة السنوار الذي كان يبلغ من العمر حينذاك 28 أو 29 عاماً, لماذا لم يتزوج.
وقال كوبي إنّ السنوار "قال لي إنّ حماس هي زوجتي, وحماس هي ولدي. وحماس بالنسبة لي هي كل شيء".
وكان السنوار قد اعتُقل عام 1988 وحُكم عليه بأحكام سجن مؤبّد لمرات متتالية لاتهامه بالتخطيط لاختطاف وقتل جنديين إسرائيليين وقتل أربعة فلسطينيين.
وفي السجن, استمرّ موقفه المتشدد ضد المتعاونين مع إسرائيل, كما قال إسرائيليون تعاملوا معه.
وقال يوفال بيتون, الرئيس السابق لقسم المخابرات في مصلحة السجون الإسرائيلية, للقناة 12 التلفزيونية في تشرين الأول الماضي, إنّ السنوار حينذاك "لم تكن يداه ملطخّتَين بدماء يهودية, بل كانت يداه ملطختين بدماء فلسطينية".
ولفت بيتون, طبيب الأسنان الذي عالج السنوار, إلى أنّ فريقاً طبيّاً إسرائيليّاً أزال ورماً من دماغ السنوار عام 2004. وأضاف بيتون: "لقد أنقذنا حياته وهذا شكره" في إشارة إلى هجوم السابع من أكتوبر. وقُتل أحد أقارب بيتون خلال الهجوم ونقل المسلحون جثته إلى غزة.
وقال كوبي إنّ السنوار كرس حياته لمهمة تدمير إسرائيل وقتل اليهود. ووصفه المسؤول الإسرائيلي الكبير بأنّه "مريض نفسي", وأضاف: "لا أعتقد أن الطريقة التي يفهم بها الواقع تشبه طريقة الإرهابيين الأكثر عقلانية وبراجماتية".
واعتبر بيتون أنّ زعيم حماس في غزة مستعدّ للسماح بحدوث معاناة هائلة من أجل قضية ما, وقد تزعم ذات مرة في السجن 1600 سجين إلى حافة الإضراب الجماعي عن الطعام حتى الموت إذا لزم الأمر, احتجاجا على طريقة معاملة رجلين في حبس انفرادي.
وتابع "إنه مستعد لدفع أي ثمن مقابل المبدأ".
النهار