كشف تقرير حديث لصحيفة "وول ستريت جورنال" أن إسرائيل استغلت فرصة الاضطرابات السياسية الداخلية المرتبطة بالانتخابات في الولايات المتحدة, ونفذت عمليات اغتيال أظهرت عجز واشنطن عن التأثير في مسار الأحداث بالشرق الأوسط وتراجع هيبتها, فضلا عن زيادة فرص تورطها في صراع مباشر مع طهران.
عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل في حق القيادي في حزب الله فؤاد شكر في بيروت ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران, عمقت من المخاوف من توسع الصراع, في وقت لا تملك الولايات المتحدة القدرة على تجنب ذلك أو احتوائه, حيث بدأت تفقد نفوذها في الشرق الأوسط, بحسب التقرير.
وعلى مدى الأشهر الماضية, كان البلوماسيون والمحللون السياسيون يخشون استغلال دول مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية لعدم الاستقرار السياسي المرتبط بالانتخابات في الولايات المتحدة لتوسيع نفوذهم, لكن اللافت أن مصدر هذا الاستغلال كان من دولة إسرائيل الحليفة.
ويرى محللون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد فطن لوجود اضطرابات سياسية في الولايات المتحدة واستغل ذلك للتحرك ضد حماس وإيران, سعيا لتوريط واشنطن في الصراع مباشرة مع طهران.
وكان وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن, قد قال الأربعاء, إن واشنطن لم تشارك في العملية التي جرت في طهران ولم تعلم بها أصلا, مما يكشف عن انحسار جزئي لدور البلاد في المنطقة, وفق التقرير.
الاغتيالات كشفت عن فقدان الإدارة الأميركية وعلى رأسها الرئيس جو بايدن للهيبة بعد إهدارها الوقت في التوسط بين إسرائيل وحركة حماس لإطلاق سراح الرهائن في غزة, وقد تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع إيران بسبب السلوك الإسرائيلي, وهو ما سعت واشنطن وطهران لتجنبه خلال الأشهر الماضية في ظل اشتعال حرب غزة.
وبذلت الولايات المتحدة جهودا لإقناع إيران بتحجيم ردها العسكري ضد إسرائيل, التي نفذت في أبريل الماضي غارات استهدفت جنرالات إيرانيين مجتمعين في دمشق بسوريا, لكن هذه المرة, فإن مقتل هنية كشف أن الدور الأميركي للحد من توسع الصراع لم يعد ذا قيمة كبيرة, حسب التقرير نفسه.
وقال دانييل ليفي, مدير مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط, وهي منظمة بحثية مقرها لندن ونيويورك, إن اغتيال هنية "محاولة لإذلال الإيرانيين وإظهار عدم قدرتهم على حماية ضيوفهم, مما يعني تجاوز إسرائيل للخطوط الحمراء".
اغتيال هنية.. هل يدفع المنطقة إلى مزيد من التصعيد؟
اغتيال هنية وبرنامج إيران النووي
كما جاءت عمليات الاغتيال في وقت تصاعد فيه القلق الإسرائيلي بشأن طموحات إيران النووية, والتي توسعت منذ أن انهارت جهود إدارة بايدن لإحياء أجزاء من الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران في عام 2022.
وكان نجاح الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزيشكيان في الانتخابات الرئاسية يثير التفاؤل بشأن تعاون دبلوماسي جديد بين طهران والغرب, لكن عملية الاغتيال المحرجة لهنية صعبت هذا الأمر, حسب ما ذكر المصدر نفسه.
وفي إشارة إلى الافتقار إلى النفوذ الذي تتمتع به الولايات المتحدة فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي, يرى محللون أن إسرائيل تصرفت هكذا بسبب الإحباط من عدم منع الغرب لطهران من الاقتراب من إنتاج قنبلة, معتبرين أن إثارة الصراع قد يمنح إسرائيل ذريعة لضرب منشآت إيران النووية.
ونقلت الصحيفة عن جوناثان باريس, وهو زميل سابق في شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية, قوله: "كانت إسرائيل قلقة للغاية بشأن التطور التدريجي للبرنامج النووي الإيراني, من الواضح أن الولايات المتحدة لا تفعل الكثير حيال ذلك, إذا كنت إسرائيليا مهتما بالردع, فقد تكون هذه إحدى الطرق للقيام بذلك", في إشارة لسعي إسرائيل لتأجيج التوتر بين واشنطن وطهران.
ضعف التأثير الأوروبي
وتابعت "وول ستريت جورنال" أن خسارة النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط من شأنها أن تثير قلق الحلفاء في أوروبا عادة, ولكن هؤلاء القادة لديهم مشاكلهم الخاصة.
ففي فرنسا وألمانيا, ينشغل القادة بالأحزاب الشعبوية اليمينية الصاعدة, وفي لندن, ابتعد رئيس الوزراء العمالي الجديد كير ستارمر عن الولايات المتحدة في تعاملها مع إسرائيل, بعد أشهر كانت فيها لندن على نفس النهج مع واشنطن.
وفي الأسبوع الماضي, سحبت بريطانيا اعتراضاتها على أوامر الاعتقال التي تسعى المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدارها بحق نتنياهو, ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت, كما أنها تدرس تعليق شحنات الأسلحة إلى إسرائيل, رغم أنها أرجأت اتخاذ القرار في انتظار مزيد من المراجعة القانونية.