أطلقت وزارة الزراعة الأسبوع الماضي "خطة تطوير قطاع مصايد الأسماك, وتربية الأحياء المائية" في السراي الحكومي برعاية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. تهدف الخطة إلى "فتح باب الاستثمار في قطاع الأسماك, ودفع رؤوس الأموال لتجديد وتطوير قطاع الصيد البحري, وتأكيد أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص" بحسب ميقاتي. لكن لم يتضح في الخطّة من سيستثمر, وبأي شروط وامتيازات, ولا جدوى في التفريط بالحقوق العامة في سوق متفلّتة من أي رقابة بعدما تبيّن أن سعر المبيع أعلى بثلاثة أضعاف من سعر الاستيراد, أي إن الفرق هو أرباح في جيوب التجّار. كل ما هو واضح في الخطّة أنه يجب إدخال القطاع الخاص ومنحه امتيازات وحقوق صيد مقابل "تحديث أسطول الصيد بزوارق ذات قدرات كبرى". فهل هي صفقة جاهزة, أم مجرّد خطة على الورق؟
يعتمد لبنان في تحصيل حاجاته من لحوم الأسماك على الاستيراد المفرط. قبل الأزمة, أي في عام 2018, استورد لبنان 25,182 طناً من السمك بقيمة 103 ملايين دولار, أما في عام 2023, فقد استورد 13,552 طناً بقيمة 56 مليون دولار. تمثّل هذه الكميات نحو 75% من مجمل الاستهلاك المحلّي, إذ ينتج لبنان ما بين 5 آلاف طن و6 آلاف طن غالبيتها من الصيد في بحر لبنان لتغطية 25% من الاستهلاك المحلي, لكن "أسعار السمك المنتج محلياً أعلى من أسعار السمك المستورد" وفقاً لدراسة صادرة عن منظمة الغذاء العالمية "فاو".
اللافت أن السعر الوسطي لكيلوغرام السمك المستورد في لبنان يبلغ 4 دولارات, وفقاً لأرقام الجمارك. وهذا السعر الذي يمثّل معدّل الكلفة على النقاط الحدودية قبل دخوله السوق المحلية, لم يتحرّك صعوداً أو نزولاً إلا بشكل طفيف في السنوات الماضية. لكن متوسط سعر المبيع في السوق المحلية أعلى بنحو ثلاثة أضعاف, إذ تقدّر "فاو" القيمة السوقية لمبيعات السمك المستورد بنحو 155 مليون دولار.
هذا الأمر يعني أن استهلاك الأسماك في لبنان بات محصوراً بفئات اجتماعية معيّنة لديها القدرة المادية على شراء السمك بانتظام. لذا, انخفض استهلاك الأسماك في لبنان إلى 9 كيلوغرامات للفرد سنوياً مقارنة مع معدل عالمي يبلغ 20.5 كيلوغراماً للفرد, بحسب "فاو". وأسباب ارتفاع أسعار السمك واضحة, إذ تشير المنظمة إلى "هامش الربح المرتفع على طول سلسلة التوريد بين المنتج والمستهلك, وسيطرة عدد محدود من اللاعبين على الاستيراد". تفسّر "فاو": يرتفع السعر بين المستورد والبائع بالتجزئة من 15% إلى 20%, ثمّ يرتفع مرّة أخرى بنسبة 30% بين البائع والمستهلك.
بالنسبة إلى وزارة الزراعة, فيعدّ ضعف الإنتاج المحلي تهديداً للأمن الغذائي فضلاً عن كونه أحد أهم أسباب ارتفاع الأسعار. وانخفاض الإنتاج المحلي من الأسماك يعود إلى "عدم الاستثمار السليم, فالمساحة الاقتصادية الخالصة للبنان تبلغ 19 ألف كيلومتر مربع, لا يستغلّ الصيادون منها سوى 400 كيلومتر مربع, أي 2% من المساحة فقط, بسبب ضعف معداتهم المستخدمة في الصيد من المراكب الخشبية القديمة إلى الشباك المهترئة", يقول رئيس دائرة الصيد المائي والبري في وزارة الزراعة عماد لحود. كما "تغيب بشكل تام عن البحر اللبناني, مزارع تربية الأسماك البحرية عند الشاطئ اللبناني, علماً أنّ هناك 12 نقطة بحرية يمكن وضع الأقفاص فيها لإنشاء مزارع أسماك بحرية تمتد من طرابلس شمالاً حتى صور جنوباً", بحسب لحود.
في هذا السياق, قرّرت الوزارة اتخاذ إجراءات تؤدي إلى زيادة الإنتاج المحلي, إذ يشير لحود إلى ضرورة "تحديث أسطول الصيد المحلي بالشراكة مع القطاع الخاص, وتجهيز تصميم جديد لزوارق الصيادين كلفته أقل بنسبة 30% من الزوارق المستخدمة حالياً, وقادر على الوصول إلى أعماق أكبر في المياه اللبنانية", مؤكداً "وجود مكامن صيد واعدة فيها". وتتميز هذه المراكب الجديدة بـ"وجود برادات على متنها, والمساحات عليها مستغلة بشكل أفضل, وإجراءات السلامة على سطحها مضمونة أكثر من الزوارق القديمة", وفقاً للحود, متوقّعاً أن تدفع استهلاك السمك حتى 90 ألف طن سنوياً ما بين المحلي والمستورد. أيضاً تخطط الوزارة لتحسين إنتاج 360 مزرعة نهرية لإنتاج السمك, تنتج اليوم حوالي ألف طن سنوياً. وفي حال تمّ العمل على تطويرها خاصة في موضوع الأعلاف والصحة البيطرية, تصبح متاحةً مضاعفة إنتاجها للوصول إلى 5 آلاف طن سنوياً, يقول لحود. وللوصول إلى هذه الأرقام, تطمح وزارة الزراعة لاستخدام مليون ونصف مليون متر مربع من البرك الزراعية التي أنشأها المشروع الأخضر كمزارع تربية أسماك. و"بعكس الإنتاج البحري المعدوم من المزارع, فإن دائرة الإنتاج النهري من الأسماك في لبنان, ولا سيّما سمكة الترويت, شبه مكتملة من ناحية البيض والعلف والتربية", بحسب لحود, وما يضر مزارعي السمك اليوم هو الأعلاف والأدوية الغالية, لذا يلجأ هؤلاء إلى طرق تربية غير ملائمة, ما يؤدي إلى نمو غير مكتمل للسمك وأمراض تضعف المنتج.