لم يكن غريبا أو مُستغربا التدهور الحاصل عند الحدود اللبنانية- الإسرائيلية بالنظر إلى أن ما تراكم من معطيات وأحداث, إلى جانب زيادة اسرائيل وتيرة حربها الأمنية ضد حزب الله وتصفية قادته وأبرز ناشطيه في الجبهة, معطوفة على ما يحيط لبنان وإسرائيل من حراك عربي ودولي فشل حتى اليوم في تحقيق هدف خفض التصعيد, كلها شكلت مؤشرات إلى أن طرفيّ الصراع يلعبان عند حافة الهاوية, مع ما تتطلّب هذه اللعبة من شدّ وجذب وتصعيد وإهراق للدماء.
وثمة قناعة بأن المرحلة الفاصلة عن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن ستكون قاسية نسبيا وستشهد مزيدا من التدهور العسكري والأمني, ذلك أن نتنياهو حريص على أن يدخل الكونغرس الأميركي مُمسكا بكل ما يملك من أوراق قوة في يده في غزة كما في لبنان, بغية استخدامها في صراعه السياسي المفتوح مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن, ولتحقيق نصر سياسي لا لبس فيه ضد معارضيه في الداخل الإسرائيلي. هو يعتقد بذلك أنه سيحوّل محطته الأميركية من مجرّد زيارة روتينية إلى مرتكز ومنصة سلاح للمرحلة الثالثة من الحرب في غزة, وربما منصة كذلك لحرب محدّثة مع حزب الله, قد تتحوّل في أي لحظة إلى حرب شاملة.
لذا تخشى الأوساط الديبلوماسية من أن يستغلّ نتنياهو ضعف الإدارة الرئاسية الأميركية التي تمرّ راهنا في مخاض عسير في مواجهة الحملة الرئاسية للجمهوريين, من أجل فرض إيقاعه في لبنان, وليس فقط في الجنوب, بحيث يخوض حرب تصفية حساب مع حزب الله وحرب تأديب للبنان.
وحضّت الأوساط المسؤولين اللبنانيين على عدم الرهان بالمطلق على المجهود الأميركي الرامي إلى نزع فتيل الحرب, لأن نتنياهو بات إلى حدّ بعيد خارج الفلك الرئاسي الأميركي, خصوصا بعد الرجحان الكبير الذي باتت عليه حملة الرئيس السابق دونالد ترامب إثر محاولة الاغتيال من جهة, والتعثر المتواصل لبايدن من جهة أخرى. وهذا يعني أن الضغط الأميركي على تل أبيب قد يصبح في وقت ليس ببعيد, غير قابل للصرف إسرائيليا, بحيث يصبح نتنياهو متحرّرا من الرادع الأميركي, وطليق اليد في لبنان.