كتب فؤاد سمعان فريجي_
تقريباً كل اسبوع اقصد مكان لأقوم بواجب التعزية لصديق او قريب , لأن الموت لا يتوقف هو العداد الذي يلازم البشرية منذ ولادتها .
في الأمس وليس ببعيد كان اهل الفقيد يفتحون منازلهم للتعزية , لكن تطور الحياة اليومية الذي أوجد حلاً في اتساع الأمكنة والخدمة ومتطلبات الراحة المتوفرة , جاءت صالات الكنائس لتحل مشكلة العناء التي يرزح تحت عبئها اهل الفقيد , وتساهم الصالات في استقبال المعزين بعنوان متداول بين الناس دون الحاجة إلى محرك غوغل لمعرفة منزل الفقيد .
تدخل في وجه واجم لمشاركة اهل الميت بالمصيبة , وإذ يتبين انهم يبتسمون ويشاركون المعزين بأخبار السياسة والاقتصاد والفضائح وينسى بعض الحضور انه في صالة عزاء
تجلس لمدة عشر دقائق يُخيل في دماغك انك في صالة للمهرجانات , قهقهة من بعض المعزين ورنين هاتف واتصالات على صوت عالٍ ونساء ينحدثنَ عن صيحات الموضة وعمليات التجميل !
وإذ دخل شخصية نافذة او سياسية او مرشحين من بعض من يستغل التجمعات لحب الظهور , فيقف الجميع ويستقبلونه بالقبلات المزيفة والكلام المعسول ويتمنون عليه الجلوس مع اهل الفقيد ليتقبل التعازي .
هنا قمة الأنتهازبة والتدجيل الاجتماعي الساقط .
منذ فترة دخلت إلى صالة بقاعية للقيام بواجب العزاء , سألني احدهم عن حال البلد , قلت له الشعب يتحمل جزء من مسؤولية ما وصلنا اليه , فامتعض وبداء بشتم السياسيين الذين نهبوا البلد ولم يترك من قاموس الكلام بحقهم حرف واحد ووافقه الجميع على ما يقول .
وما هي إلا برهة حتى دخل احد الوزراء برفقة نائب للقيام بواجبه , انتابني شعور بأن سوف يحصل اصطدام على ما سمعته منذ لحظات , المفاجأة كانت قبلات وعناق وترحيب وإشادة بالمواقف السياسية للزعيمين وأطراء يعجز عن قوله مداحي العصور الوسطى في بلاط الحكام !!!!
لقد فقدنا الكثير في المجتمع اللبناني من القيم التي حملناها من كبارنا الذين قدسوا الأحترام وثقافة المشاركة في السراء والضراء
يبدو الأنهيار انسحب على ما تبقى في هذا البلد التعيس الذي ساهم جزء من شعبه في تحطيم مدرسة الأخلاق ( شاهدوا التواصل الاجتماعي تعرفون اكثر )
في صالات العزاء واحتراماً للمتوفي , تعرفنا على الصمت والصلاة ومشاركة المحزون ومواساة العائلة , لا ان تتحول إلى فولكلور وصالة تسلية واحاديث على صوت عالي واللهو على الواتس آب وعرض عضلات وبورصة للمرشحين وموائد للتصوير , إذا غضب ربنا على قوم يجعل منه فكراً سطحياً لا يُنتج سوى المهازل .